|


تركي السهلي
محمّد آل مكتوم
2023-07-17
في منتصف يوليو 1949 كانت “الشندغة” مركز الحكم في دبي، وفي التاريخ والمكان ولِد محمد بن راشد بن سعيد آل مكتوم. كانت البيوت متراصّة في الحي المفصول بينه وبين “ديرة” حدود “الخور”، وكان محمّد آل مكتوم مُحاطًا بالجدّ والأب واتساع البحر.
أخذ ابن مكتوم من الرمال ركوب الخيل، وأعطى الميناء المرصوف على ضفّة الخليج كل ممكّنات الشخصية وعوامل بنائها. وضع الصبي النابه ألوان السماء في طرق الإمارة الصغيرة، وأطلق قوّة تفكيره للزمن المقبل. لم يكن محمد بن راشد سوى حالة اندماج بين الوقت والجغرافيا، وما سكن روحه من رؤية وبصيرة لا ضعف فيها.
حينما وصل زايد بن سلطان آل نهيّان إلى أبو ظبي، والتقى براشد بن سعيد في المرتفع، وسط باحة قصر “الحصن”، كانت الأحاديث تدور عن “الوحدة” بين الشخصيتين. مع تتالي الاجتماعات بين الرجلين في “سويحان”، كان محمّد بن راشد النقطة التي تسبق الأحرف، بحضوره للقاءات المتكرّرة، بما فيها من قهوة، وشعلة حياة، ووئام، واتفاق تام. كان ذلك فوق الرمل وتحت السماء لاقحًا عقله والعقلين الكبيرين. بعد ذلك، كانت “الخوانيج” مقرًا لزايد بن راشد، للانطلاق نحو الحلم الكبير، والاتجاه نحو كُل الإمارات.
في كل تفاصيل حياة ابن مكتوم، ربط ذهنه المتّقد بالصهيل، وسرعة الحصان، والضوء الآتي من بعيد خلف الكثبان، واللمعان في الشواطئ. وفي كُل المراحل، آمن محمد بن راشد بالالتزام مع من حوله ومع منهجه، فكان القلم، والكتابة، والشعر، ولوحة الخطوط الواضحة.
يعرف محمد بن راشد دبي جيّدًا، وهو يتعامل معها كما لو كانت عجنًا من لحمه ودمه، وهو لم يتخلّ عنها يومًا، منذ أن خطى الخطوات الأولى في قصر “الشندغة” حتى تمكّن من قطع الأميال في سباقات القدرة والتحمّل.
اليوم، يقف صانع النجاح فوق جسر جديد ممدود بين روحه وبين الإمارة المُغطّاة بالنور، مؤشرًا بيده إلى الشمس والقمر والنجوم كما لو كانت ملامسة والتقاط، وكما لو كانت اليد في صهر كامل مع حرارة التفوّق، وبدءًا من لقاءات عرفها بين التاريخ والجغرافيا. ومع ما يملك محمد بن راشد من طموح وقدرة على قراءة المستقبل، إلاّ أنّه يتوقف عند قصّة جديدة من أجل حبكها للأجيال المُقبلة، ووضع اللوحة أمام الفضاء المفتوح. والعُمر الذي زاد على السبعين لم يزد ابن مكتوم، إلاّ يقينًا بقدرة المزج بين البحر والرمال.