|


أحمد الحامد⁩
وجوه في الطريق
2024-02-23
* لم نلتق منذ 8 سنوات، لكننا نتواصل عبر الرسائل كل عدة أشهر، بالإضافة إلى مكالمات مرئية كانت كفيلة ليعرف كل منا التغييرات التي أحدثها الزمن في وجه صاحبه. كان وما زال ناجحًا في عمله، يردد دائمًا بأنه بطل المثابرة، حتى إنه يصف نفسه بالذي نجح لأنه استمر لا أكثر، وفي إحدى المرات قال بأنه ليس ذكيًا كما يعتقد البعض، لكنه يصبر حتى يصل للجائزة التي يمنحها الصبر. افتتح بقالة عادية، عمل فيها وحيدًا في البداية، ثم انضم إليه أحد العمال، ولأنه كان خلوقًا فضّل الكثيرون أن يصبحوا من زبائنه الدائمين، ثم انضم عامل ثالث، ثم استأجر المحل الملاصق ليوسع بقالته. اليوم أصبحت بقالته عنوانًا من عناوين المنطقة، ويعمل عنده ما لا يقل عن 15 عاملًا. ما زلت أتذكر عندما كان يبحث عن مكان يستأجره، ما زلت أحفظ ملامحه الشابة حينها، ومع أنه كان كثير المرح والضحك، إلا أنه كان يحتفظ بداخله بالشخص الجاد والمسؤول، لذا اتخذ طريقه منذ البداية، ابتعد عن «شلتنا» حينها لأنه انتبه أن الجدية هي من ستوصله إلى طريق حقيقي، ففي الوقت الذي كنا نسهر في لعب «الكيرم» كان هو يحمل صناديق فاكهته إلى داخل بقالته لكي يغلقها، وليعود في صباح الغد الباكر، وفي مئات الساعات التي قضتها الشلة في اللاشيء، كان هو يتعلم أسرار عمله ويكون علاقاته. كان محبوبًا ومازال، وثبت للجميع بأنه صديق الشلة الأصيل، يغيب طويلًا لكنه يحضر عند الحاجة إليه.
* كيف سمحت ذاكرتي لنفسها أن تنسى اسمه، لقد عملت معه في مبنى واحد عدة سنوات، وكنت أراه في الأسبوع عدة مرات، كنا نتحدث في «الكانتين» كثيرًا، وكم أعجبت بطريقة تفكيره ورؤيته للأمور، حتى أني كنت أسأله عن قراءته لبعض الأحداث والأخبار. كنت أتفاجأ من التقاطاته الذكية، ومن معرفته بأحداث تاريخيه لم أسمع عنها قط، ووجدت نفسي أكثر من مرة أهز رأسي إشارة إلى معرفتي ببعض الأحداث أو الأسماء عندما كان يستشهد بها قائلًا: وأنت طبعًا أكيد عارف! وطبعًا لم أكن عارف. كانت أناقته لافتة، جريء لكنه مؤدب جدًا. في بعض الأحيان وأنا أستمع إليه كنت أشعر وكأنه قد جاء من إحدى قصور القاهرة، لأن طريقة حديثه تذكرني بطريقة كلام الباشوات في المسلسلات المصرية. لا أتذكر بأننا تصافحنا مصافحة الوداع، كلٌ غادر باتجاه مختلف. بعد سنوات طويلة التقيت بأحد الزملاء، وأثناء الحديث تذكرنا بعض الزملاء وجاء صاحبنا من ضمن الشخصيات التي تذكرناها، ثم قال زميلي: طبعًا أنت عارف إنه ابن فلان باشا. هززت رأسي إشارة بأنني عارف.
* مقولة عالمية: ستتعلم كثيرًا من دروس الحياة إذا لاحظت أن رجال الإطفاء لا يكافحون النار بالنار.