|


تشرد لاسيمون.. الجانب المظلم في ذاكرة نكودو

الرياض ـ أسامة فاروق 2024.04.05 | 02:47 am

حين يسترخي الكاميروني جورج كيفن نكودو، خامس هدافي دوري روشن السعودي، مغمضًا عينيه على أريكته، يستذكر محطات من شريط حياته، لعلّ أول ما سيتبادر إلى ذهنه، تلك الصبيحة في منزله، التي عصفت، قبل نحو 8 أعوام، بالمسيرة الرياضية لرفيق بداياته، لوريس لاسيمون.
تزامل نكودو ولاسيمون في الفئات السنية لنادي نانت الفرنسي قبل انتصاف العقد الماضي، وتشكلت بينهما صداقة غذّتها جذورهما الإفريقية المشتركة. وحتى مع رحيل الكاميروني صوب مارسيليا صيف 2015 ظلّ حبل الود بينهما باقيًا ومتينًا.
وفي تصريح صحافي سابق، تحدّث لاسيمون عن تلك العلاقة قائلًا: «دائمًا ما كنّا معًا أيام نانت.. في هذه المدينة عشنا.. يبيت كل منا لدى الآخر في شقته.. وبعد انتقال كيفن إلى مارسيليا لم يتغير شيء.. في عطلات نهاية الأسبوع أنتهز أي فرصة لزيارته».
في صفوف مارسيليا، عبّر نكودو عن قدراته جيدًا، سجّل 10 أهداف، وصنع 5 أخرى، مع ذلك قدّم الفريق موسمًا كارثيًا على صعيد بطولة الدوري الفرنسي، واحتل المركز الـ 13، ولم تتبق أمامه سوى فرصة نهائي الكأس كيّ ينزع فتيل غضب جماهيره.
معركة الكأس، التي دارت رحاها 21 مايو 2016، بدت غير متكافئة أمام باريس سان جيرمان وقائمته المرصّعة بالنجوم اللامعة. وعلى الرغم من نجاح مارسيليا في التدارك سريعًا بعد هدف عاصمي مبكر، خارت قوى لاعبيه خلال الشوط الثاني وخسروا 2ـ4، وكان نصيب نكودو من المشاركة 9 دقائق أخيرة فقط قبل النهاية، خاضها أملًا في إنقاذ ما لا يُمكن إنقاذه.
وما كاد موسم ابن الـ 21 عامًا ينتهي، وتبدأ إجازته الصيفية الطويلة، إلا وتلقى اتصالًا معتادًا من صديقه، يبلغه بموعد القدوم إلى مارسيليا للنزول عنده.
ووصل لاسيمون، وبرفقته صديق مشترك، إلى المدينة النائمة على الساحل الفرنسي الجنوبي، ولاذا بمنزل نكودو في منطقة «سانت آن»، لقضاء أيام كان فيها النوم ليلًا آخر أولوياتهم.
وبينما هم سويًا، خطرت لهم فكرة إحضار بنادق هوائية للعب بها داخل المنزل، واتّخذوا بعض التدابير تفاديًا لإزعاج جيرانهم إذا ضجّوا وصخبوا.
«لم نترك أي منفذ في المنزل إلا أوصدناه، أغلقنا جميع المصاريع، ولعبت مع كيفن وصديقنا بالبنادق حتى الصباح».
كانت عقارب الساعة متمركزة عند الـ 7:30 صباحًا عندما توقف الثلاثي عن اللعب، وفتح نكودو باب المنزل وهمّ بالخروج، فإذا به يسمع نداءً هادرًا من سطح البناية، تأكّد أنّه لشرطي، يأمره، دون نقاش، بالانبطاح مكانه على الأرض.
وبعده خرج لاسيمون، وكانت بندقيته الزائفة لا تزال في يده، لكنها تهاوت منه أرضًا، وهو إلى جوارها، بأمر نافذ من صاحب الصوت نفسه، وتلاه الصديق الآخر على النسق ذاته.
«كان العدد لا يقل عن 15 فردًا من لواء مكافحة الجريمة منتشرين فوق المنزل، هبطوا إلينا، وقيّدوا أيدينا، وكسروا الباب الأمامي قبل تنفيذ الاقتحام، ثمّ قادونا إلى مركز الشرطة».
وأثناء المساءلة، انحسر اللغز عن سره.. علم اللاعبان وصديقهما أن الجيران قدّموا بلاغًا بشكوكهم في احتجاز رهائن داخل منزل لاعب أولمبيك مارسيليا.
وبعد الاستماع إلى الشهادات، سرعان ما أُطلق سراح نكودو والصديق المشترك، أما لاسيمون فأودع الحجز، قبل نقله إلى قسم شرطة آخر.
«قيل لي إنني وجهت سلاحي نحو أحد الضباط عندما رأيته. وهذا لم يحدث مطلقًا، وهناك مقاطع صوّرتْها كاميرا المنزل تثبت ذلك، ولإطلاق سراحي، كان على الآخرين إحضار فواتير شراء البنادق».
قبل حلول الـ 11:00 صباحًا كان الخبر تسرّب إلى الصحافة الرياضية، التي استقته من مصادر شرطية نقلت الرواية من زاويتها، وهكذا دون ذنب، أصبح لاسيمون البريء، مدانًا، أمام العوام، بعمل إجرامي قلب حياته رأسًا على عقب.
«عندما غادرت المخفر، اتصل بي مدير التوظيف في نادي نانت.. طلب مني الاتصال بالرئيس وشرح القصة كاملة له.. بعثت إليه برسالة طويلة.. الواقعة كانت سيئة بالنسبة لصورة النادي، لكنه كان متفهمًا.. طالما أصبحت لاعب كرة قدم، فينبغي أن أكون حذرًا، ولا ألوم الرئيس، فلو كنت مكانه لترسّخ لديّ الانطباع المؤسف ذاته».
بعد الواقعة، واصل نكودو حياته المهنية، وغادر مارسيليا إلى لندن، للانضمام إلى توتنهام هوتسبير الإنجليزي، وأعير منه لاحقًا إلى بيرنلي، ثمّ لموناكو الفرنسي، وفي صيف 2019 يمّم شطره نحو بيشكتاش التركي الذي ضمّه من «السبيرز» بصفقة تكلفت 4.6 مليون يورو، وهناك أمضى 4 أعوام التقطته بعدها أعين إدارة نادي ضمك السعودي، وأحضرته إلى «روشن» مجانًا.
مع الفريق الجنوبي، يسطّر الكاميروني الذي لعب لفئات فرنسا السنية، فصلًا ناجحًا من مسيرته الكروية، وليس أدلّ على ذلك من انخراطه في 19 هدفًا على مدى 24 مباراة خاضها ضمن بطولة الدوري.
وعلى الأرجح أيضًا، لم تنغّص الواقعة مسار حياة ذلك الصديق المشترك الذي جهلت الصحافة اسمه من البداية فلم تحفل بمصيره، أما لاسيمون فكان الطرد من نانت أولى خطوات تشرّده حائرًا بين المحطات المتواضعة وفجوات الفراغ المهني، حتى لفظه مجتمع كرة القدم تمامًا خارج أسواره قبل عامين.