|


رياض المسلم
رحل «حابس النور».. وتركنا «فوق هام السحب»
2024-05-05
اختار العشاق الليل ليبثوا رسائلهم، وينثروا مشاعرهم، وينفضوا همومهم، وتركوا النهار للعمل والمشقَّة، منتظرين زوال الشمس، رافعين رؤوسهم إلى السماء، مراقبين القمر، غير مبالين بوجهه، أو مراحله، فهم يرونه بدرًا مكتملًا طيلة الشهر، كيف لا ومَن علَّمهم أن البدر هو كل أزمنة القمر شاعرٌ في الحداثة والعشق، وليس معلمًا في المدرسة.
هؤلاء اعتادوا على أن يستدلُّوا بالبدر في «صمت الدروب»، فهو محدِّثهم الحنون في «زمان الصمت»، ومَن يحمل «الرسايل» نيابةً عنهم، وعنوانها «إلى من يهمها أمري»، فكان لطيفًا في إيصال إي «رسالة» حتى لو قال مرسلها «أكتب لها حرف".
كان الراحل بوصلةً للعاشق، فجعله لا يسمع لـ «عشاق النصيحة»، ويقف أمام حبيبته شامخًا، «أبعتذر» عن الغياب والهجر بحجة أنه «المسافر» على «مركب الهند» الذي خشي أن تكون غربته قد جعلتها تختار «الموعد الثاني»، فيرسل لها قبل أن تزيد الفجوة «يا صاحبي طالت علي المسافة»، وحتى وأنا «أرفض المسافة»، «قولي بربك» أي شيءٍ، أو على الأقل «رديّ سلامي»، أو «ردي على الصوت»، لتخبره خجلةً بأنها «قصت ظفايرها» مستمتعةً بمراقبة «طفلة تحت المطر»، وتقول له «لا تعاتب»، لكن «عطني المحبة»، وأعرف أن «عندك أمل» أن تكون معشوقي، و«حسايف» البحث عن غيرك، و«الله يرد خطاك» فـ «أنا حبيبي» «صعب السؤال»، لكن «الوعد باكر»، فسكنته الحيرة، وبحث عن الحل، فلم يجد سوى قول «عطني في هواك الصبر».. ليوقف «صرخة» بداخله.. مردِّدًا «الله يعين الروح».
كلمات البدر كانت، ولا تزال، وستظل اللغة التي يفهمها كل عاشقٍ، ولا تحتاج إلى تفسيرٍ، فـ «لك الله يا العاشق»، وكل العشَّاق، فقد منحكم مهندس الكلمة «جمرة غضى»، وحوَّل بعذوبة حروفه «ليلكم شمسًا».
رحل مَن جعل لليل معنى، وللحرف مغنى، رحل مخلِّدًا سيرةً «فوق هام السحب»، وتاركا إرثًا لا يضاهى. وكما قال رفيق دربه دايم السيف: الأمير بدر بن عبد المحسن حالةٌ شعريةٌ استثنائيةٌ.
فلا نقول نحن مَن سكننا الحزن على رحيلك إلا أن «هذا المساء» كليالي «خريف»، أخفت ابتسامةً حتى «العروس» في «ليلة سهر»، فـ «لك الله»، وكيف «طالت الغيبة»، ولم يمر يومان على رحيلك، و«الله يعين الروح» على فرقاك، فـ «صوتك يناديني»، يردد «سيدي قم»، فكنت عرَّابًا للتواضع والحلم، وحتى لو افترضنا أن ألم فراقك لا يتخطى «ليلة وتمرين» لكنه أصعب من ذلك، فأنت البدر «حابس النور» ومصدره.. ونسأله سبحانه أن يسكنك فسيح جناته، و«في أمان الله».