|


«جاسب».. رجل الثلج ورفيق مارادونا يهزم المستحيل بعد 50 عاما

الرياض - إبراهيم الأنصاري 2024.05.25 | 02:25 pm

في غرفة ملابس فريق أتالانتا الإيطالي الأول لكرة القدم عُلقت مقولة مايكل جوردن، أسطورة كرة السلة الأمريكية، والتي يقول فيها: «ست وعشرون مرة تحملت مسؤولية التسديدة الأخيرة وأخطأت، لقد فشلت مرارًا وتكرارًا في حياتي، ولهذا السبب كنت ناجحًا»، هكذا يحفز جيان جاسبريني مدرب الفريق لاعبيه خلال الأعوام الماضية.
في يناير من العام 1958 أبصر جيان بييرو جاسبريني النور في محافظة جرولياسكو، التي تبعد خمس كيلومترات عن مدينة تورينو، حيث كان والده جوزيبي يعمل في مصنع تابع لشركة فيات العملاقة المملوكة لعائلة أنيللي الإيطالية العريقة التي تمتلك نادي يوفنتوس أيضًا، بينما كانت والدته أنطونيتا تاجرة.
منذ صغره، كان شغفه بكرة القدم واضحًا وكان يحلم بالنجاح في هذه الرياضة، أدركت عائلة جاسبريني الداعمة موهبته وعززت حبه للعبة، وشجعته على تحقيق أحلامه.
في دولة مهووسة بكرة القدم نشأ جاسبريني، وكان مصدر إلهامه أساطير كرة القدم الإيطالية الذين كان يعشقهم أمثال جياني ريفيرا وروبرتو باجيو وباولو مالديني، حيث كان يدرس أساليب لعبهم ويقلد تقنياتهم على أرض الملعب، إعجابه العميق بهؤلاء الرموز دفعه إلى العمل بلا كلل لصقل مهاراته ليصبح لاعب كرة قدم محترفًا.
أدى سعي جاسبريني الدؤوب لتحقيق التميز إلى انضمامه إلى أكاديمية يوفنتوس للشباب المرموقة. بتوجيه من المدربين ذوي الخبرة، صقل قدرته الفنية وفهمه التكتيكي للعبة. لقد وضع الوقت الذي قضاه جاسبريني في يوفنتوس الأساس لنجاحه المستقبلي وغرس فيه أخلاقيات العمل القوية التي من شأنها أن تثبت أنها لا تقدر بثمن في مسيرته الاحترافية.
في عام 1987 بدأ جاسبريني مشواره الاحترافي للمرة الأولى مع نادي باليرمو، الذي كان حينها وهو نادٍ يلعب في دوري الدرجة الثانية الإيطالي، جذب تألقه انتباه فرق الدرجة الأولى، وسرعان ما انتقل إلى نادي نابولي، أحد أفضل الأندية الإيطالية في ذلك الوقت.
خلال الفترة التي قضاها في نابولي، لعب الشاب الصغير جنبًا إلى جنب مع أساطير كرة القدم مثل دييجو مارادونا، الذي أصبح فيما بعد صديقًا مقربًا له وأثر على فلسفته التدريبية، زودته الفترة التي قضاها في نابولي بخبرة لا تقدر بثمن ومكنته من الوصول إلى أعلى مستوى من المنافسة في كرة القدم الإيطالية.
وتنقل بعدها جاسبريني بين عدة أندية منها ريجينا وباليرمو وبيسكارا وساليرنيتانا، ومع اقتراب مسيرته الكروية من نهايتها، كان عليه اتخاذ قرار حاسم: بالاعتزال والشروع في رحلة جديدة كمدرب، وبعد الكثير من التفكير، اختار جاسبريني قبول التحدي والانتقال إلى التدريب حيث قرر اعتزال اللعب عام 1993.
كان قرار الإيطالي بالاتجاه إلى عالم التدريب مدفوعًا بشغفه باللعبة، ورغبته في قيادة وإلهام الآخرين ومعرفته العميقة بكرة القدم، جاءت أول فرصة تدريب لجاسبريني في بياتشينزا كالتشيو، وهو نادٍ إيطالي في الدرجة الثالثة، في عام 1994. وباعتباره مدربًا غير معروف نسبيًا في ذلك الوقت، كان مصممًا على ترك بصمة وإظهار قدراته، وسرعان ما حصل على احترام لاعبيه من خلال تدريبه الدقيق وفطنته التكتيكية وتفانيه الذي لا يتزعزع.
استمرت مسيرة جاسبريني التدريبية في الازدهار حيث قاد نادي كروتوني إلى نجاح غير مسبوق، وهو الصعود إلى دوري الدرجة الثانية، ثاني أعلى دوري في كرة القدم الإيطالية. حظيت مهارة جاسبريني التكتيكية وقدرته على استخلاص الأفضل من لاعبيه بإشادة واسعة النطاق، مما عزز سمعته كنجم تدريبي صاعد.
في الأعوام التالية تولى جاسبريني تدريب باليرمو، وجنوى، في فترتين وإنتر ميلان ولم يحقق أي نجاحات تذكر وكانت محطته التالية مع أتلانتا بيرجامو التحدي الأخير له.
في 14 يونيو 2016، تم تعيين جاسبريني مدربًا لأتلانتا، ومنذ ذلك التاريخ نجح بتغيير الفريق الصغير وقاده من التنافس على دوري الدرجة الثانية إلى فريق يقارع كبار الكالتشيو ويتنافس على هيمنة الدوري الإيطالي والمشاركة المستمرة في المسابقات الأوروبية.
لم تثنِ خسارة نهائي كأس إيطاليا مرتين من عزم العجوز الإيطالي ولم يتمكن منه اليأس في مطاردة اللقب الأول خلال مسيرته، وواصل طريقه حتى ابتسم له الحظ في نهائي الدوري الأوروبي أمام باير ليفركوزن ليحقق حلمه بالمنجز البكر في مسيرته والأول في تاريخ النادي الصغير منذ قرابة الـ50 عامًا.
يفسر المدرب الملقب بـ «جاسب» صبره على المدى الطويل وعزمه الكبير في مسيرته الطويلة على الرغم من نوبات الغضب الكبيرة التي تجتاحه خلال المباريات بقوله: «أدرك عيوبي، لكن كرة القدم هي الكولوسيوم الخاص بنا، إنها تبرز الغرائز المفرطة وتجعلك تشعر بالجنون أحيانًا. تراه أيضًا في المدرجات مع الجماهير، ولذلك يجب علينا جميعًا أن نعمل على إيجاد الهدوء مرة أخرى، وطريقتي في استعادة الهدوء هي أن أحاول قضاء نصف ساعة يوميًا من التأمل، أنظر إلى نفسي من الخارج، أتباطأ في حياتي وربما أجد حلولًا لم أفكر بها».
جاسبريني الشغوف بالجبال والعاشق لرياضة التزلج في الثلج يعرفه الجميع في المدينة الصغيرة، حيث يمكنك غالبًا العثور عليه وهو يتناول العشاء في أحد المطاعم أو في مقهاه المفضل وسط المدينة الذي يقضي فيه أغلب وقته برفقته مساعده مع الفريق أو زوجته.
جاسبريني متزوج من كريستينا التي تعمل في مجال التعليم مدرسة عام 1980 وأنجب منها طفلين، دافيد وأندريا، اللذين يعيشان معه، بعيدًا عن عالم كرة القدم.
على بعد أكثر من 2000 كيلو متر عن بلادهم لن تنسى جماهير أتلاتنا مدينة دبلن الإيرلندية التي توجت فريقهم بلقبهم الأوروبي الأول وسط أجيال لم يسبق لها مشاهدة فريقها يتوج بأي لقب حيث احتشد الآلاف في ساحة فيتوريو فينيتو بوسط مدينة بيرجامو معقل الفريق للاحتفال بالإنجاز الفريد الذي يعد الثاني فقط في تاريخ النادي الممتد لـ 117 عامًا وسط فيض من المشاعر التي خلدت اسم جاسبريني في تاريخ المدينة الصغيرة.