الفرج.. قلَّد القنات.. وتحول من «الصالات» إلى المنصات
في منتصف التسعينيات الميلادية لمع اسم سعود القنات، لاعب فريق الشباب الأول لكرة القدم السابق، وكان أحد نجوم الجيل التاريخي للنادي العاصمي الأبيض، ووضع بصمة مميزة بالرقم 7، الذي كان يرتديه، وجعل الكثير من أطفال تلك الحقبة يعشقون هذا الرقم، وفي مقدمتهم سلمان الفرج، ابن شقيقة القنات، الذي حاول السير على خطى خاله في بدايته، قبل أن يصبح أحد أساطير الهلال عبر التاريخ، ويسطر مسيرة كروية زاخرة بالمنجزات والألقاب.
سلمان الفرج، المولود عام 1989، لفت أنظار مسيري الأزرق بعد مشاركته في دورة رمضانية نظمها النادي في الصالة الداخلية، حينما كان الأمير محمد بن فيصل يترأس الأزرق، وكان أبرز المعجبين بموهبته ووجه بتسجيله.
لم يتوقع الأمير محمد بن فيصل أن يصبح الفتى الأسمر النحيل، الذي أوصى بتسجيله في الفريق، بعد أن شاهده في دورة رمضانية، القائد الأكثر تتويجًا بألقاب الدوري مع الأزرق، وأحد أبرز نجوم خط الوسط في تاريخ الرياضة السعودية.
يقول الفرج عن تلك اللحظة: «كنا نلعب دورة رمضانية في النادي، وشاهدني مصور النادي «سيف» رحمه الله، تحدث معي وسألني إن كنت مرحبًا باللعب للهلال، ليتحدث مع الأمير محمد بن فيصل، وأجبته بالإيجاب، تحدثت بالفعل مع الأمير محمد، وجلب مدير الناشئين، وقال له «أعطوه ما يريده وعلموه»، ووقعت بالفعل مقابل 25 ألف ريال سعودي، اشتريت بجزء منها سيارة «مازدا 2004»، وساعدت أخي في زواجه بجزء آخر». على الرغم من أن والد سلمان الفرج عاشق محب لنادي النصر، الغريم التقليدي للهلال في العاصمة السعودية، إلا أنه لم يقف في طريق ابنه، الذي قرر ارتداء قميص الجار والغريم التقليدي لفريقه.
يقول الفرج عن والده: «والدي نصراوي حد الثمالة، ولا أستطيع تغيير هذا الأمر، وهو كل شيء في حياتي، ويقولون إنني نسخة منه، لم يكن له أي شرط خلال عملية انضمامي للهلال سوى الحفاظ على دراستي».
في موسم 2008، خلال إشراف الروماني كوزمين أولاريو على تدريب الهلال، أوصى المدرب بتصعيد الفرج إلى الفريق الأول، بعد رحلة قصيرة في الفئات العمرية للنادي لم تستمر طويلًا، بسبب الموهبة الكبيرة التي يملكها، وليصبح بعدها أحد الركائز الأساسية في الكتيبة الزرقاء.
منذ صعوده إلى الفريق الأول في الهلال بدأ الفرج كتابة اسمه بأحرف من ذهب، جنبًا إلى جنب مع أساطير سبقوه في النادي العملاق، موسمًا تلو الآخر أثبت الفرج مكانته، فكان من الخيارات الأساسية أمام مختلف المدربين، تنوع واجباته في الأعوام الأولى أكسبه الخبرة اللازمة بوقت مبكر، لينعكس مردوده الممتاز في الأعوام القليلة الماضية على نتائج المنتخب، وفريقه الهلال.
يقول كوزمين عن الفرج: «هذا اللاعب بإمكانه أن يلعب في أي نادٍ كبير بأوروبا، يملك إمكانية وبنية جسدية مميزة مختلفة عن أغلب اللاعبين السعوديين وبإمكانه بكل سهولة اللعب في أي نادٍ أوروبي».
واصل الفرج صعوده مع أزرق العاصمة، الذي كان يضم في خط وسطه كوكبة من النجوم، إلا أن الشاب المولود في المدينة المنورة كان واثقًا من حجز مقعده في التشكيلة الأساسية عاجلًا أو آجلًا، وأن الموضوع بالنسبة له ليس سوى مسألة وقت، حتى يصبح اللاعب الأول.
فيما بعد، فرض الفرج اسمه على جميع المدربين، الذين تعاقبوا على تدريب الهلال، بدءًا من البلجيكي الشهير إيريك جيريتس، وحتى البرتغالي جوزيه مورايس، وبات رقمًا صعبًا في تشكيلة الأزرق، وقاده إلى التتويج بالعديد من الألقاب، حتى أجبر الإدارة الهلالية قبل عدة مواسم على تمديد عقده، ويسجل اسمه في تاريخ اللاعبين السعوديين كأغلى لاعب.
صاحب الـ 34 عامًا لم يكتف بأن أصبح اللاعب الأغلى في الدوري السعودي على الصعيد المالي، بل تجاوزه ليسجل اسمه كأكثر اللاعبين تتويجًا بلقب الدوري السعودي للمحترفين، حيث توج برفقة الفريق بثمانية ألقاب دوري، مواسم 2009ـ10، 2010ـ11، 2016ـ17، 2017ـ18، 2019ـ20، 2020ـ21، 2021ـ22، 2023ـ24، متجاوزًا رقم محمد الشلهوب، قائده السابق في الهلال، بخمسة ألقاب في دوري المحترفين.
يصف الفرج نفسه بالانطوائي، الذي يكره الشهرة والإعلام، ويتحدث عن ذلك بقوله: «لا أحب الكاميرا والحديث في الإعلام، تلك شخصيتي وقد دفعت ثمن ذلك كثيرًا بتوقيع غرامات علي لرفضي الحديث بعد المباريات، كنت أخسر أكثر من نصف راتبي لهذا السبب».
لم تغير حياة الشهرة الفرج، الذي تسلم مبلغ 25 ألف ريال في أول مبلغ مالي يتسلمه خلال مسيرته الكروية، قبل أن يوقع عقده الأخير مع الهلال بمبلغ تجاوز الـ 30 مليون ريال، وهو الذي عرف عنه الانعزال وقلة الأصدقاء، ويقول عن ذلك: «الشهرة من الأشياء التي كرهتها في حياتي، لأنها أدخلتني في دوامة كبيرة، كنت في البداية أعرف أصدقائي وأعدائي، لكن بعد الشهرة لم أعد أعلم من صديقي ومن عدوي، مع الأموال لا أعلم من يحبني ومن يكرهني، الآن صدقًا لا أعرف اختيار صديق حقيقي».
أكثر من 20 بطولة حققها الفرج خلال مسيرته مع الهلال، وعدد لا بأس به من المباريات الدولية مع المنتخب السعودي، الذي شارك معه في نسختين من بطولة كأس العالم. مسيرة كبيرة سطرها الفرج على مدار أكثر من 15 عامًا في المستطيل الأخضر، وخلال تتويجه الأخير مع فريقه بلقب كأس الملك، الذي حققه الفرج للمرة الخامسة، ألمح الفرج إلى الوداع، الذي قد يكون قريبًا، ولن تنسى الجماهير الزرقاء القائد، صاحب الرقم 7، الذي قدم كل ما يمكن، على الرغم من معاناته المتكررة من الإصابات، التي لاحقته كثيرًا، إلا أنه مضى في طريقه وطموحه منذ ظهوره في دوري الصالات مع الهلال، وحتى اعتلائه عشرات المنصات.