|


ميشيل وتاليسكا.. عناوين السعادة

الرياض - إبراهيم الأنصاري 2024.07.23 | 02:22 pm

يميل العارفون بشؤون البرازيليين وأنماط حياتهم إلى المبالغة في وصف حبهم للفرح والبهجة والسعادة، ما يجعل بعضهم يعتقدون أنهم فقدوا قدرتهم على الشعور بالحزن.
إنهم يريدون الفرح، ولا شيء غير الفرح! والفرح يتَّخذ أشكالًا مختلفةً، منها الرقص، والضحك، وكرة القدم، وقصَّات الشعر التي لا يعرف البرازيليون سواها للتعبير عن بهجتهم وسعادتهم في الملاعب.
يمتثل البرازيليون بمقولة أديبهم وكاتبهم الشهير باولو كويلو: «سر السعادة هو أن تنظر إلى عجائب الدنيا كلها، لكن دون أن تنسى أبدًا وجود قطرتي الزيت في الملعقة». وهي مقولةٌ، تعبِّر عن حالتهم مع الفرح والبهجة، وهي حالةٌ لا يحتاجون إلى كثيرٍ من الأشياء المادية للتعبير عنها، فقصَّةُ شعرٍ جديدةٌ، أو مقطعٌ من أغنيةٍ راقصةٍ، يكفيهم ليعيشوا يومهم بسعادةٍ وبهجةٍ، تتضح معالمهما في وجوههم وتصرُّفاتهم.
لا ينسى السعوديون تقليعة المنتخب البرازيلي الشهيرة في بطولة كأس القارات 1997، التي استضافتها العاصمة الرياض، إذ ظهر خلالها لاعبو «السامبا» جميعًا، وهم حليقو الرأس، وقيل يومها إنها كانت بأمرٍ من القائد وقتها كارلوس دونجا.
ولم يُعرف حتى الآن السبب الرئيس الذي دفعهم إلى تلك الحالة حيث تتضارب الروايات في الأسباب وتتعدَّد، لكنْ محصلة الأمر، أنهم في النهاية توِّجوا بلقب البطولة، وكانوا في أفضل حالاتهم مزاجيًّا ونفسيًّا، وأسهمت التقليعة الغريبة في نشر البهجة والسعادة بين أفراد البعثة. يقول كافو، الظهير الأسطوري للبرازيل، عن تلك البطولة في حوارٍ مع موقع «فيفا»: «كنا مثل عائلةٍ واحدةٍ في البطولة. على صعيد الجانب الدفاعي لمنتخب البرازيل، أعتقد أن تلك البطولة كانت الأفضل، لأننا لم نتلقَّ سوى هدفين فيها بأكملها». أما الظاهرة رونالدو فذكر: «لقد حلقنا رؤوسنا جميعًا».
ويعدُّ البريطاني ألكس بيلوس في كتابه «كرة القدم والفن البرازيلي للحياة»، أن كرة القدم أصبحت عقيدةً عند أبناء الأمازون، وليست هناك دولةٌ في العالم باستثناء البرازيل، تدفع الناس دمها فيها ثمنًا للحصول على تذكرة دخولٍ لحضور مباراةٍ لمنتخب بلادها.
وعبّر بيلوس في كلماتٍ قليلةٍ عن حقيقة أن كرة القدم في البرازيل مغايرةٌ في كل شيءٍ، وأنها الدولة الوحيدة التي تعيش من أجلها، بل هي أساس بقائها، وشريانها الحيوي، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وكل مرافق الحياة الأخرى، وقد جاء تعبير جواو جولارت، الرئيس السابق للبرازيل، بليغًا عندما قال يومًا: «ليس لدينا خبزٌ ولا مالٌ ولا أرزٌّ، لكنْ لدينا بيليه، وجارينشيا، وأماريلدو». في إشارةٍ إلى أبرز نجوم المنتخب الذين أهدوا بلادهم لقب مونديال 1970.
كان الرئيس جولارت يعي كل كلمةٍ يقولها، فالدولة التي تقع في النصف الشرقي لقارة أمريكا الجنوبية، يعيش معظم سكانها تحت خط الفقر، لكنَّ الغريب فعلًا أن كرة القدم هي التي تجعل هؤلاء يتمسَّكون بالحياة، فتصبح قوت يومهم! والغريب أكثر أنه عند ذكرِ أشهر شخصيةٍ في تلك البلاد، لا يُقال المفكر، أو الرئيس الفلاني، بل بيليه، وجارينشيا، ورونالدو، وروماريو، وزيكو وهكذا.
ولم يعرف البرازيليون طعم الحزن والنحيب كرويًّا سوى مرتين، الأولى في القرن الماضي عندما حوَّلت الأوروجواي الخسارة أمامهم في نهائي كأس العالم 1950 على ملعب ماركانا، الذي كانت جنباته تغصُّ بما يزيد عن 200 ألف مشجعٍ. يومها تحوَّل المشهد من أجواء فرحٍ وسعادةٍ وبهجةٍ قبل انطلاق المباراة إلى كارثةٍ ونحيبٍ جماعي، عُرف فيما بعد بكارثة الأوروجواي التي تعدُّ بالنسبة لهم كارثةً بكل المقاييس، وكما قيل: «فكل دولة لها كارثتها الوطنية، مثل هيروشيما بالنسبة لليابان، وكانت فاجعتنا الخسارة أمام الأوروجواي».
وفي السعودية، ومع نهاية كل أسبوعٍ، تنتظر جماهير قطبَي العاصمة الرياض، الهلال والنصر، إطلالة الثنائي البرازيلي أندرسون تاليسكا، لاعب النصر، ومواطنه في الجانب الآخر ميشيل ديلجادو، لاعب الهلال، إذ اعتادت الجماهير على رؤيتهما في كل أسبوعٍ بتقليعاتٍ جديدةٍ، سواءً كانت رقصةً جديدةً أو صبغةَ شعرٍ مختلفةً.
ولم يخالف الثنائي البرازيلي عاداتهما خلال معسكرَي فريقيهما التحضيريين للموسم المقبل، وكانت التقليعات الجديدة حاضرةً حيث صبغ ميشيل شعره باللون الأزرق الخفيف، بينما صبغه تاليسكا بالأصفر، كما استمرَّت الرقصات التي ينشران خلالها السعادة في أرجاء المعسكرين، وكأنهما يعبِّران عن جينات شعبهما وتقاليده العريقة التي لا تعرف سوى الفرح والفرح فقط.