|


ماتيب.. كاميروني ندم عليه الألمان وصنع المجد مع الريدز

الرياض ـ إبراهيم الأنصاري 2024.10.13 | 05:38 pm

في قلب القارة العجوز، حيث تتشابك الحضارات وتتلاقى الثقافات، ولد جويل ماتيب في مدينة بوخوم الألمانية، نشأ الشاب الذي حمل في عروقه دماءً كاميرونية وألمانية، وورث شغف كرة القدم من والده اللاعب الدولي السابق جان ماتيب.
ورثت عائلة ماتيب شغف الكرة وموهبتها جينيًّا، فالأب جان ماتيب هو لاعب كرة قدم دولي سابق مثَّل الكاميرون، وقد زرع في أبنائه حب اللعبة وشجعهم على ممارستها، وتتمتع عائلة ماتيب بتراث كروي غني يمتد لأجيال، فالأب والأبناء والعم جميعهم تركوا بصمة واضحة في عالم كرة القدم. هذا التراث المشترك يربط أفراد العائلة ببعضهم بعضًا، ويعطيهم دافعًا أكبر لتحقيق المزيد من الإنجازات.
مارفين، شقيق جويل، هو لاعب كرة قدم أيضًا، وقد مثَّل منتخب الكاميرون، على الرغم من أنه لم يحظَ بالشهرة نفسها التي حظي بها شقيقه، إلا أنه لاعب موهوب يتمتع بقدرات دفاعية جيدة، في حين كان جوزيف ديزاير جوبز، وهو ابن عم لجويل ومارفين، لاعب كرة قدم دولي سابق مثَّل الكاميرون ولعب 52 مباراة دولية مع منتخب الأسود غير المروضة. كان جوبز قدوة لأبناء عائلة ماتيب، وقد شجعهم على تحقيق أحلامهم في عالم كرة القدم.
منذ نعومة أظفاره، كان الملعب هو ملاذه، والكرة هي رفيق دربه. بدأ رحلته في عالم الساحرة المستديرة مع نادي إس سي ويتمار 45، قبل أن ينتقل إلى نادي في إف إل بوخوم، حيث بدأ نجمه يلمع.
لم تمر موهبة ماتيب مرور الكرام، فقد لفتت أنظار كشافي الأندية الكبرى، وكان شالكة 04 هو المحظوظ الذي تمكن من ضمه إلى أكاديميته، هناك بين جدران المدرسة الشاملة التي احتضنت أسماءً لامعة مثل مسعود أوزيل ومانويل نوير، صقل ماتيب موهبته وتعلم أسرار اللعبة.
أوليفر روهنيرت، مدرب فريق شالكة الاحتياطي السابق، كان من أوائل من لاحظوا موهبة ماتيب الاستثنائية، يقول روهنيرت: «يتمتع جويل بإمكانات هائلة، وليس من قبيل الصدفة أنه يتدرب بانتظام مع الفريق الأول، الفكرة أنه يحظى بمزيد من الوقت للعب معي الآن. فكرة رائعة للجميع، ولكن بها عيب أساسي.. ماتيب كان أفضل من أن يكون لاعبًا احتياطيًّا».
نوربرت إلجرت، المدير الرياضي لشالكة آنذاك، لعب دورًا أساسيًّا في صعود ماتيب. يقول إلجرت: «جويل لاعب موهوب للغاية، لديه كل المقومات ليكون مدافعًا عالميًّا. إنه قوي بدنيًّا وسريع، ويمتلك مهارات تمرير رائعة. والأهم من ذلك، لديه شخصية قيادية».
عندما حان وقت الرحيل عن شالكة، لم يخفِ ماتيب حزنه على الفراق. في تصريح مؤثر، ذكر: «لقد قلت دائمًا إنني لن أقول وداعًا لشالكة إلا من أجل تجربة شيء جديد تمامًا». ومع ذلك، كان يدرك أن الوقت قد حان للانتقال إلى مرحلة جديدة في مسيرته.
وأضاف: «على الرغم من أن القرار لم يكن سهلًا بالتأكيد، إلا أنني مقتنع بأن الآن هو الوقت المناسب لاتخاذ الخطوة التالية». هذه الكلمات كشفت عن عمق العلاقة التي تربط ماتيب بالنادي الملكي، وعن مدى صعوبة قرار الرحيل، ولكنها في الوقت نفسه أكدت طموحاته ورغبته في تحقيق المزيد من الإنجازات».
بعد أعوام من التألق مع شالكة، قرَّر ماتيب خوض تحدٍ جديد بالانتقال إلى ليفربول الإنجليزي. كانت هذه الخطوة بمثابة قفزة نوعية في مسيرته، حيث لعب تحت قيادة المدرب الألماني يورجن كلوب.
يورجن كلوب ثمَّن موهبة ماتيب، وقال عنه: «جويل لاعب استثنائي، إنه يمتلك كل شيء. إنه قوي بدنيًّا، سريع، ذكي، ولديه رؤية ممتازة للعبة. إنه إضافة رائعة لفريقنا».
أصبح ماتيب صخرة الدفاع في أنفيلد مع ليفربول، وأسهم بشكل كبير في تحقيق العديد من الإنجازات، أبرزها الفوز بدوري أبطال أوروبا والدوري الإنجليزي الممتاز.
فيرجيل فان دايك، زميله في خط الدفاع، أثنى على ماتيب، وقال: «جويل لاعب رائع، إنه يجعلني ألعب بشكل أفضل. إنه قوي جدًّا في الهواء، وهو جيد جدًّا في بناء اللعب من الخلف».
ولم تقتصر إنجازات ماتيب على مستوى النادي، بل امتدت إلى المنتخب الكاميروني. ومع ذلك، واجه ماتيب ضغوطًا كبيرة لاختيار المنتخب الذي سيمثله بين ألمانيا وكاميرون.
هورت هروبيش، مدرب منتخب ألمانيا تحت 19 عامًا، كان حريصًا على ضم ماتيب إلى صفوف المانشافت، وقال: «سيكون من العار أن يتم حل قضية ماتيب من خلال استدعائه لكأس الأمم الإفريقية».
ماتياس سامر، المدير الفني للاتحاد الألماني لكرة القدم في ذلك الوقت، أوضح: «نحن نتعامل بالفعل مع هذه القضية ونريد بشكل مثالي إقناع كل لاعب جيد باللعب لصالح ألمانيا».
بالتزامن مع تألقه في الملاعب، شهدت حياة جويل ماتيب تطورات إيجابية على الصعيد الشخصي. فقد وجد اللاعب الكاميروني السعادة والاستقرار في أحضان حبيبته لاريسا ستولينويرك، التي وقفت إلى جانبه طوال مسيرته الكروية ودعمته في كل خطوة.
تُعد علاقة ماتيب ولاريسا قصة حب طويلة الأمد، حيث جمعتهما قصة حب عميقة استمرت أعوامًا قبل أن يقررا الزواج. وعلى الرغم من شهرة ماتيب كلاعب كرة قدم، إلا أن الثنائي حرص على الحفاظ على خصوصية علاقتهما بعيدًا عن الأضواء.
في أعقاب فوز نادي ليفربول بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز عام 2020، وهو الإنجاز الذي طال انتظاره من قبل جماهير الريدز، قرَّر ماتيب الاحتفال بهذا الإنجاز التاريخي بطريقة خاصة. ففي حفل زفاف أسطوري تزوج ماتيب من حبيبته لاريسا، وسط حضور عدد محدود من الأهل والأصدقاء المقربين، قبل أن يرزقا في العام التالي بمولودهما الأول.
بعد مسيرة حافلة بالإنجازات، قرَّر جويل ماتيب اعتزال كرة القدم. رحلته كانت ملهمة للكثيرين، وشهدت صعود نجم من قلب ألمانيا إلى أن يصبح أحد أبرز المدافعين في العالم.
يقول ماتيب: «كرة القدم أعطتني الكثير، لقد سافرت حول العالم، وتعرفت على أشخاص رائعين، وفزت بالعديد من الألقاب. أنا ممتن لكل الفرص التي أتيحت لي. أشكر عائلتي وأصدقائي وزملائي وجميع الذين دعموني طوال مسيرتي».