|


تركي السهلي
صانع القصص
2024-10-28
قهوةٌ ساخنةٌ في يومٍ من نوفمبر، تحجب الغيومُ الشمسَ عن الناس، والدفء لم يلمس قلبًا بعد. الصحف تحمل الأخبار، وبائع الورق لا يعبأ بكاتب العنوان. الرجل الحائك للقصص الصحفية، يذهب كُل يومٍ إلى مكتبه دون أن يذكر مجده أحد. مشكلته الدائمة أنه لا يعرض بضاعته إلا على القُرَّاء الأوفياء، ولا يقف أمام باب القصر. هو، المهموم بالنظرة المختلفة للناس، فيحمل همومهم كل اجتماع تحرير، ويركب قطار المحطَّة المُكتظَّة بالقاصدين المخبز، والمدرسة، وصيدليَّة الدواء. لا يعرف طريق الرحلة نحو الرخام، والكعك، وكرسي البحر الوثير.
منتصف النهار في ساعةٍ من شتاء الشهر الحادي عشر، المطر يُبلِّل الوجوه، والسماء لا تُهدي الحماية للراكض دونما غطاء. الرفيقةُ الأولى للصحفي قصَّته، وهي مثل السكين التي يأكل منها وقد تقطع شريانه.
موتُ الصحفي توقُّفه، وانقطاعه عن ربط الخيوط. عذاب المُحرِّر صمت القصص، وإيقاف الحديث عن الروايات.
قبل نهاية اليوم البارد، الصانع الأكبر للرواية المُتلفزة، ينفث دُخانًا في المقهى القريب من مبنى المحطة، وشعر لحيته الأسود يُخالطه البياض، وهرولته اليوميَّة نحو تقديم الآمال للبسطاء، تنتهي بالنوم وحيدًا على «الصوفة» المُمتدَّة وسط شقته الواقعة خلف معمل الأحبار. والكبار لا يحتفظون بالصور القديمة. ومع بدء كُل صباحٍ، ينهض قبل الغيم، ويبتسم في وجه النور، ويطمئن إلى أن كُل القصص التي صنعها بالأمس، وصلت إلى بائع الخُضار، ومُعِدّة سفرة الخوص، وسيّدة الرداء الريفي، والفلاح المُغيّر لاتجاهات الماء، وفتاة التمريض المُسرعة نحو غرفة الطوارئ، والمُعلّم الذي يكتب في العقول، ويُرافق الصغار إلى رحلة الوعي.
لقد مرَّ العمر سريعًا مثل شريطٍ على شاشةٍ، وتنوَّعت الرحلات من المجمعة إلى الرياض، حيث حي المصيف نهاية التسعينيات الميلادية. في الشمال من العاصمة، كان اللّيل الطويل يُقضى على رصيف مخرج خمسة. كانت المطابع تدور، والأفكار تثور نحو الألفية الجديدة، ميلاد محطَّاتٍ، وإذاعاتٍ، و«الحياة عقيدةٌ وجهاد»، والبوصلة في مدينة دبي للإعلام. أهلًا بكم في ذكريات 2001 مع البرنامج السياسي من «بانوراما».. مع فقرات «صباح العربية».. والطابق الأرضي في مبنى «آرا». طابت أيّامك مساعد الثبيتي.