جيرارد.. ملاحم الماضي لا تكفي الاتفاق
«يا إلهي، يا لها من ضربة رائعة!!».. كان الإسكتلندي أندي جراي يصرخ هكذا بجنون خلف مذياع قناة «سكاي سبورتس» البريطانية أثناء تعليقه على صاروخية الإنجليزي ستيفن جيرارد في مرمى أولمبياكوس اليوناني 8 ديسمبر 2004، مُخالطًا بصوته الجهوري صيحات جماهير ليفربول المهتاجة فرحًا وطربًا داخل مدرجات ملعب أنفيلد التاريخي.
القذيفة الخالدة لمدرب الاتفاق الحالي في الدقيقة 86 من تلك المباراة رفعت نتيجة انتصار ليفربول إلى 3ـ1، وأمّنت فارق الهدفين المطلوب لتخطي الضيف اليوناني في الترتيب، واجتياز مرحلة المجموعات من دوري أبطال أوروبا، عبر الجولة الأخيرة.
أسبغ الهدف هالة من القداسة الكروية على الفتى البالغ من العمر آنذاك 24 عامًا. نعم كانت له ومضات عدة مضيئة قبل ذلك، ومنها رشقتاه النافذتان في مرمى الغريم مانشستر يونايتد، والجار إيفرتون، مارس وسبتمبر 2001، وغيرهما، لكن ليلة الأبطال هذه سلّطت الأضواء بوضوح على أهم ما كان يميّزه عن غيره من أبناء جيله.. الروح الانتصارية.
تجلّت هذه الخصلة مرة أخرى في نهائي البطولة ذاتها على ملعب أتاتورك، غرب مدينة إسطنبول التركية، حين تأخر فريقه بثلاثية نظيفة أمام ميلان الإيطالي بنجومه الكبار خلال الشوط الأول، وبدا لجميع المتابعين استحالة العودة في النتيجة مجددًا، ومنهم المعلق الإماراتي عدنان حمد الحمادي، الذي أعلنها صراحةً بعد هدف كريسبو الثاني، والثالث إجمالًا، بالقول «خلصت المباراة».
وخلال الشوط الثاني قدَّم جيرارد دليلًا عمليًا على صوابية قرار سحب شارة القيادة من زميله الفنلدني سامي هيبيا في 2003، وتسليمها إليه بعمر الـ 23 عامًا فقط. يومها تصرَّف اللاعب كبطل خيالي يقود زملاءه وسط ساحة حرب غير متكافئة. مارس دور المدرب نيابة عن الإسباني رافائيل بينيتث، الجالس في المنطقة الفنية، والشكوك تساوره حول إمكانية العودة. ومع حلول الدقيقة 54 قرر القائد الشاب إطلاق شرارة المهمة الانتحارية، محولًا برأسه عرضية زميله النرويجي يون أرني ريزا إلى شباك البرازيلي نيلسون ديدا، حارس مرمى ميلان.
وكان ذلك الهدف إيذانًا بتنفيذ الريمونتادا الأشهر عبر تاريخ البطولة الأوروبية وحَفْر الجرح الأعمق في قلب ميلان ومدربه الإيطالي كارلو أنشيلوتي، الذي وصف خسارة ذلك النهائي عن طريق ركلات الترجيح، بالتجربة الأسوأ خلال مشواره.
في العام التالي وصل ليفربول إلى نهائي كأس إنجلترا أمام وست هام، وظلّ متأخرًا 2ـ3 حتى الدقيقة الأخيرة. ومن مسافة لا يُقرِّر التسديد منها إلا ذو عقلية لا يخالجها أبدًا اليأس والشكوك، أطلق جيرارد تصويبة بعيدة المدى سكنت أقصى الزاوية اليمنى لمرمى شاكا هيسلوب، حارس الفريق اللندني، مرسلًا المباراة إلى ركلات ترجيحية ابتسمت لـ «الحمر»، على غرار سيناريو موقعة إسطنبول.
ولا ينسى المدرب الإنجليزي مارتن أونيل الذكرى المؤلمة لمباراته مع أستون فيلا أمام ليفربول في جولة افتتاح «البريمييرليج» 11 أغسطس 2007، عندما كان شبه مطمئن لإحراز نقطة التعادل، لولا «قلب الريدز النابض» الذي رفض الاستسلام، وأحرز هدف الفوز لفريقه قبل النهاية بثلاث دقائق، من ركلة حرة مباشرة لا تزال قنوات «يوتيوب» تتناقلها بكثافة بعد مرور 17 عامًا.
تلك المسيرة الملحمية كانت بحاجة إلى نهاية تطاول قامتها، وكان جيرارد ماضيًا نحو تدوينها بالفعل، عبر إحراز لقب الدوري الإنجليزي المستعصي عليه، موسم 2013ـ2014، إلا أنه انزلق في الأمتار الأخيرة أمام تشيلسي دون إرادته، ومع انزلاقته ضاعت أحلامه، وترك صفحة بيضاء خالية النقوش في خاتمة مجلّده الكروي.
اللحظات السعيدة في مسيرته، وليس تلك النهاية الحزينة، كانت تداعب مخيلة الاتفاقيين عند إتمام التعاقد معه صيف العام الماضي. الأهداف الخرافية، والاحتفالات الأيقونية بذراعين مفرودتين، وقبضتين معقودتين تضربان الهواء بقوة، رسمت صورة حالمة لما يمكن للمدرب تقديمه مع الفريق الشرقاوي.
مرً الموسم الأول تقليديًا، وأنهاه الفريق محتلًا سادس مراكز دوري روشن. في وسطه مدد الاتفاقيون عقد الإنجليزي عامين إضافيين، وأضافوا نجومًا أخرى لقائمة اللاعبين، وانتظروا مع انطلاقة الموسم الجاري جني قطاف ما بذروه على مدى 3 فترات انتقالات.
وبعد مرور 10 جولات من الدوري، حقق الفريق 3 انتصارات فقط، وتعثر في 7 مباريات، غلب عليه خلال غالبيتها طابع الاستسلام. فقط كان هدف التعادل المتأخر للمهاجم الفرنسي موسى ديمبيليه أمام التعاون في الجولة الخامسة، النفحة الوحيدة من ماضي جيرارد.
حين خسر ليفربول دوري 2014، انتظر «ستيفي» نحو 7 أشهر فقط ثم أعلن الرحيل، وكان قراره بالنسبة لكثيرين استسلامًا، أو تسليمًا بعدم قدرته على حصد الدوري. والآن تعود اللحظة الحاسمة ماثلة أمامه، فإما إصرار يقلب الطاولة كليلة إسطنبول، أو انزلاقة جديدة توقظ ألم الختام.