صرخ المشجع ضد المهاجم.. فردّ المدرب: تعال العب مكانه
يحلو لكثيرين ممَّن يُسعِدُهم الحظّ بمشاهدة المباريات من أقرب نقطة في المدرَّج إلى دكّة الاحتياط تقريعُ المدرّب ولاعبيه بعبارات غاضبة. في الذاكرة القريبة، يحضر مشهد انفعال الإيطالي روبرتو مانشيني، مدرب المنتخب السعودي الأول لكرة القدم السابق، على مشجعين، في ملعب «الجوهرة المشعة»، عاتبوه بحدّة، بسبب التعادل السلبي مع البحرين، منتصف أكتوبر الماضي، ضمن تصفيات آسيا المؤهلة إلى كأس العالم.
وفي أنحاء مختلفة من عالم «الساحرة المستديرة»، يتعرَّض مدربون آخرون للموقف ذاته، ويكتفون بالسكوت والتجاهل أو بردود الفعل الكلامية، التي تتناقلها وسائل الإعلام.
لكن المدرب الإنجليزي هاري ريدناب عجز عن تجاهل الانتقادات الجماهيرية، خلال مباراة تجريبية لفريق وست هام يونايتد عام 1994. التفت خلفَهُ فوجد مشجِّعًا مدخّنًا، تغطي الأوشام ذراعيه ورقبته، ينهال بالسباب على مهاجمه لي تشابمان، بسبب تواضع مستواه أمام فريق أوكسفورد سيتي الضعيف. سألهُ المدرّب «هل تجيد اللعِب بقدر إجادتك الكلام؟». ردَّ المشجع ستيف ديفيز الذي كان في منتصف العشرينيات من عمره «نعم أستطيع أن ألعب أفضل من تشابمان».
ديفيز مشجّع مهووس بوست هام يونايتد منذ كان طفلًا عمرُه خمسة أعوام. والدُه جيف كان مدافعًا ضخم البنية في دوري الأحد الإنجليزي، الخاص بفرق كرة القدم غير المحترفة.
ستيف نفسه لعِب في دوري الأحد الذي تزدحم أرضيات ملاعبِه ببِرَك المياه والطين.
لكن بمرور الوقت انكشفت قدراته الكروية المحدودة، وشتّتَته اهتمامات أخرى، بينها ملاحقة وست هام في الملاعب.
وفي لقاء صحافي نادر أجرته معه صحيفة «هولر» الرياضية الأمريكية بعد أعوام طويلة من واقعته مع ريدناب، قال ستيف «بدأت ملاحقة الفريق في سن الـ 15، كنت أذهب إليه كل أسبوع، وأحضر حتى مبارياته خارج الأرض، واضطررت بسبب ذلك إلى النوم أحيانًا داخل محطات القطار، يا له من جحيم، لكنها كانت أيامًا رائعة».
تدريجيًّا، ومع اقترابه من عامه العشرين، تلاشى حلم ستيف، الذي اعتاد ارتياد أماكن السهر، بلعب كرة القدم الاحترافية وتمثيل وست هام.
في صيف 1993، صعد الفريق، الملقّب بـ «المطارق»، إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي انطلق بشكله واسمه الجديدين قبل ذلك بعام واحد.
تزامنًا مع الصعود، تسلّم ستيف وظيفة ساعي بريد ورُزِق بطفله الثاني، وسمّاه صامويل بروكينج تيمّنًا بتريفور بروكينج، أحد النجوم البارزين في تاريخ النادي اللندني، الذي أنهى موسمه الأول بين فِرق الدوري في المركز الـ 11.
قبل بداية الموسم التالي، تلقى ستيف اتصالًا هاتفيًّا من صديقٍ له يشجع الفريق ذاته، دعاه إلى حضور مباراة تجريبية في أوكسفورد. وافق الأول على الفور واتجها معًا، وبرفقتهما زوجةُ كلٍ منهما، إلى الملعب الصغير المتواضع، وتابعا اللقاء من نقطة قريبة من هاري ريدناب، الذي كان مساعدًا للمدرب وترقى بعد اللقاء التجريبي بأسبوع إلى منصب المدرب.
خلال الشوط الأول، أخطأ المهاجم الإنجليزي تشابمان في التصرف بالكرة مُفسدًا إحدى الهجمات، فصاح المشجع ستيف بصوت عالٍ «أنت عديم الفائدة». بعد دقائق، سقط اللاعب على الأرض إثر تدخل من مدافعي المنافس، فوجَّه له ديفيز السُباب بصوت مرتفع.
استذكر ريدناب تفاصيل القصة خلال برنامج تلفزيوني، وقال «كان هناك رجلٌ بجوار دكّة الفريق، يرتدي أقراطًا وينقش بالوشم اسم الفريق على رقبته وذراعيه، وبعد قليل لاحظت أنه يتحدث عني ويقول لن أحضر كل أسبوع إذا كان تشابمان يلعب».
بين الشوطين، شكى أحد لاعبي وست هام من إصابة، وخرج لاعبون آخرون مُستبدَلين. وجد المدرب المساعد، الذي استفزّته عبارات المشجع، فريقَه أمام أزمة نقص عددي، وتفتّق ذهنه عن فكرة متهورة. توجَّه إلى الشاب سليط اللسان وقال له «هل يمكنك أن تلعب بنفس جودة كلامك؟». وافق ستيف على الفور، سلَّمه الإداري طقمًا وحذاءً، ارتداهما ووصل إلى غرفة الملابس، قال له ريدناب «ما اسمك؟ هل الحذاء على مقاسك؟ ستلعب مهاجمًا».
يحكي ديفيز للصحيفة الأمريكية «جلس اللاعب المعروف ألفين مارتن بجواري وصفعني على مؤخرة رأسي، توجهت معهم إلى نفق الملعب، وكنت أعتقد أن ريدناب يمزح معي وسيمنحني دقيقة أو دقيقتين من باب الدعابة بسبب تعليقاتي».
بعد إطلاق صافرة الشوط الثاني، لاحظ المذيع الداخلي للملعب عنصرًا جديدًا بشعار «المطارق»، أرسل مساعدَه إلى المدرب لمعرفة اسم اللاعب حتى يعلن عنه للجمهور. رد ريدناب مازحًا على المساعد «هل كنت تشاهد كأس العالم في أمريكا؟ إنه اللاعب البلغاري العظيم تيتيشيف».
على أرضية الملعب، عانى ستيف من سرعة الكرة، بعكس مباريات دوري الأحد، وكاد يسقط بسببها، ارتعشت ساقاه، فهو الآن يحقق حلم تمثيل فريقه المفضل، لكنه حاول التحلي بالهدوء، وأخذ يركض بحماس، حتى جاءت الدقيقة 71.
يقول المشجّع اللاعب «قبل نصف ساعة كنت أدخن، والآن أستقبل تمريرة وأخطو نحو المرمى.. ضربت الكرة بقوة وبطريقة لم يسبق لي أن فعلتها.. مرت من يد الحارس وولجت المرمى، ركضت محتفلًا ويداي ممدودتان ولم أصدق ما حدث.. كأن الزمن توقف عند هذه الدقيقة، كانت الأعظم في حياتي».
لكن راية التسلل أعادت ستيف إلى أرض الواقع، أُلغِي الهدف، وركض صاحبُه نحو الحكم وصرخ في وجهه «أيها الوغد.. لقد أفسدت حلمي».
انتهت المباراة بفوز اللندنيين 4ـ0، وخرج ساعي البريد مع لاعبي الفريق إلى غرفة الملابس وهو في حالة ذهول ولا يكاد يصدق ما حدث.
لكن الحلم انتهى بذات السرعة التي بدأ بها. توجّه الإداري نحوه وسحب منه القميص رقم 3 الذي لعِب به، رافضًا طلبه الاحتفاظ به للذكرى، بداعي الحاجة إليه في مباراة رسمية مع نيوكاسل يونايتد. أما ريدناب، الذي قال إنه أراد إسعاد ستيف وليس إحراجه أمام الجمهور ردًا على انتقاداته، فاعترف عبر البرنامج التلفزيوني بعد نحو 20 عامًا بأن «ذلك المشجع كان بالفعل أفضل من تشابمان في الملعب».