|


رياض المسلم
سالم بين الشايب والغلام والحمار
2024-12-27
في بعض القصص التي تروى على مسامعنا ونحن صغار كمخدر "مباح" للنوم، ولا نكملها ولا نجني الفائدة منها فتعاد علينا كل ليلة لكن النعاس يغلبنا دومًا، وعندما يشتد عودنا نعود لسماعها بعيدًا عن السرير فندرك معناها ونتدارك مغزاها..
وهنا نروي إحداها ليس للنوم لكن للفائدة، فيحكى أن رجلًا طاعنًا في السن وغلامًا ومعهما حمار قررا أن يسيرا قاصدين قرية بها مدارس عالمية ليلتحق بها الغلام، فصعد "الرجل الستيني" على ظهر الحمار وترك الغلام يمشي، فواجه شبابًا على قارعة الطريق يلعبون "صكة بلوت" فقال أحدهم "انظر إلى "الشايب"، فرد زميله "السبيت أو الديمن"؟ فأجاب: "أنا أعني الشايب على ظهر الحمار كيف ترك الطفل يمشي وهو مرتاح على ظهر الدابة؟"، وعلى الفور بدّل الرجل الطاعن في السن المراكز وانصاع إلى انتقادهم، مكملًا السير نحو القرية.
من جديد مرّ على أشخاص يتجاذبون أطراف الحديث أمام عربة مختصة بالكرك، فدنا منهم طالبًا "مشروبًا" يروي عطش الصغير والحمار وهو أمام "الكاشير"، سمع أيضًا همسًا تحول إلى صوت مرتفع في "لاين الطلبات" منتقدين الطفل وأنه يفترض أن يتعلم الجلد ويريح "الشايب" من المشي، وعلى الفور ألغى طلبه وصعد مع حفيده على ظهر الحمار وأكملا المشوار.
وفي منتصف الطريق الصحراوي، مرا بجانب زوجين يمارسان رياضة "التطعيس"، فأوقفتهم المرأة وسألت "الشايب" وهي غاضبة: "أليس لديك رحمة أو تعرف فقط أنها اسم فنانة، أين الشفقة وأنتما سويًا على ظهر الحمار".
اعتذر الشايب من المرأة وزجها حتى وهو صامت، فقرر أن يمشيا ويتركا الحمار يرتاح، فلم يلبثا وقتًا طويلًا حتى صادفهما ثلة من الأشخاص يسكنون خيمة متهالكة أطرافها يتابعون مباراة مانشستر يونايتد وتشيلسي، فهزوا برؤوسهم ضاحكين: "يا لغبائهما يتركان الحمار مرتاحًا وهما يسيران بجانبه".. حينها قرر "الشايب" أن يحمل الحمار على ظهره كونها الوسيلة الوحيدة لكن عضلاته لم تسعفه فبدأ في البحث عن عرض اشتراك في أحد الأندية الرياضية..
هنا تنتهي القصة، وقد تختصرها في "رضا الناس غاية لا تدرك" بدلًا من إرهاق "الكيبورد" والشاشة، والمصحح والمدقق اللغوي.
بين القصة والمثل، يحضر سالم الدوسري قائد المنتخب السعودي الأول لكرة القدم الذي يواجه حملة انتقاد "شرسة" من قبل بعض الصحافيين والجماهير عندما يرتدي القميص الأخضر، ويبدؤون في انتقاده بطرق سلمية وغير سليمة مستعينين بكافة الأسلحة النقدية المشروعة وغير المشروعة، في الوقت الذي يلقى فيه دفاعًا كبيرًا من قبل عشاق ناديه الهلال فتحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة عراك بين المهاجمين والمدافعين والضحية اللاعب والأخضر..
سالم أضاع عدة ركلات جزاء مع المنتخب السعودي طيلة مسيرته، فواجه انتقادات تخطت حدود كرة القدم حتى ذهب أحد النقاد للنيل من شكله، ولا أعرف الرابط بين الشكل وتنفيذ ركلة الجزاء، لكن الأمر الجيد هو أن صوت بعض نقادنا لا يصل لخبراء كرة القدم العالميين وإلا "علوّم".. الشاهد أنه عندما أضاع الركلات "جردوه" من موهبته واتهموه بـ"الغرور" وغيرها من الصفات "السيئة" وعندما ابتعد عن تنفيذها وترك الفرصة لزملائه اللاعبين قالوا "قائد لا يتحلى بالشجاعة" ورمى المسؤولية على غيره، وعندما يفوز الأخضر يردد هؤلاء بأن سالم ليس له الفضل وأن اللاعبين كانوا في يومهم، وعندما يتعثر المنتخب يشيرون إلى أنه السبب حتى لو كان على كرسي الاحتياط..
هذه "اللوثة" الإعلامية لا نستطيع أن نضع لها حدًا، فهؤلاء تحركهم العواطف والميول ولا يمكن أن يعتدّ برأيهم أو يتغير حتى لو جلب سالم ورفاقه كأس الخليج.. هنا لا أمجد لسالم أو غيره من اللاعبين فالدعم كله لجميع اللاعبين والدعوات لهم بالتوفيق فهما يمثلون أغلى وطن، ولكن يجب على العقلاء في الوسط الرياضي وغيره أن تكون لديهم حصانة من "التلوث النقديّ" الذي يردده هؤلاء.
لن يقتنعوا أبدًا ولن يغيروا وجهة نظرهم، وحتى قناعة أحد ملوك الفراعنة بتبديل رأيه من فرش الأرض جلدًا ليمشي عليها إلى فكرة أن يكون الجلد على رجله فقط قدمها له أحد مساعديه ومنها انطلقت فكرة الحذاء، لن تجدي معهم، لذا الحل مع هؤلاء هو التركيز على دعم الأخضر وكل لاعبيه ونقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت.. وكل الأماني بالتوفيق لجميع لاعبي الأخضر في المهمة الخليجية، وأن يعودوا بالكأس إلى أرض الوطن..