|


نبيل بن طالب.. خذله قلبه وأنقذه إصراره

الرياض ـ إبراهيم آل صالح 2025.02.18 | 06:54 pm

في ليلة صامتة، حيث لا يسمع سوى أنين صوت الأجهزة الطبية، كان الجزائري نبيل بن طالب مستلقيًا في سريره بالمستشفى، يحدق في السقف بعينين مثقلتين بالتفكير، كان الليل طويلًا، يمتد بلا نهاية، يشبه الغموض الذي يحيط بمستقبله، لم يكن الألم الجسدي هو ما يؤرقه، بل الأسئلة التي تتناوب على ذهنه دون إجابة واضحة، هل انتهى كل شيء؟ هل ستكون هذه آخر مرة أرتدي فيها قميص الفريق؟ هل سأعود إلى الملعب أم أن رحلتي انتهت هنا، بين هذه الجدران.
قبل أيام فقط، كان يجري على العشب الأخضر، يتنفس كرة القدم كما اعتاد منذ طفولته، لم يكن يتخيل أن جسده، الذي درّبه على التحمل لأعوام، سيتوقف فجأة، أن قلبه الذي تحمل آلاف الدقائق من الجري والضغط والتنافس، سيتخاذل عنه للحظة، وكأنه يعلن العصيان، الأزمة القلبية لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل كانت زلزالًا ضرب كيانه بالكامل، هز قناع القوة الذي اعتاد ارتداءه أمام الجميع.
كانت الغرفة معتمة، والضوء خافت، كان يشاهد إحدى المباريات، حاول ألا ينظر إليها، لكنه لم يستطع، لم يكن مجرد مشاهد عادي، لم يكن يرى اللاعبين وهم يركضون فحسب، بل كان يشعر وكأن جزءًا منه هناك، على العشب، يحارب من أجل الفوز، كما كان يفعل دائمًا.
لكن الآن، المعركة مختلفة، لم يكن خصومه مدافعين أقوياء يوقفونه، أو حراس مرمى يتصدون لتسديداته، بل كان خصومه أجهزة الفحص الطبي، تقارير الأطباء التي تتحدث بلغة الأرقام والاحتمالات، والشك الذي بدأ يتسلل إلى عقله للمرة الأولى في حياته.
في كل مرة يدخل الطبيب إلى الغرفة، كان نبيل يترقب الإجابة ذاتها، لم يكن يسأل هل سأعود؟، بل كان يسأل متى سأعود؟، لكنه لم يكن يسمع الإجابة التي يريدها، كانوا يقولون له إن الأمر معقد، إن القلب حساس، إن المخاطرة قد تكون كبيرة، لكنه كان يسمع شيئًا آخر، يسمع صوتًا في داخله يقول له «لا تستسلم».
بدأت الرحلة الأصعب في حياته، لم تكن نحو البطولات، ولا نحو نهائيات الكؤوس، بل كانت نحو استعادة ما سلب منه فجأة، لم تكن الأيام سهلة، كانت التدريبات في البداية مجرد حركات بسيطة، مجرد استعادة التوازن، مجرد خطوات صغيرة على آلة المشي، لكنها كانت بالنسبة له أهم من أي هدف سجله في حياته، كان عليه أن يقاتل جسده، أن يعيد برمجة قلبه، أن يجعل جسده يصدق أنه قادر على التحمل من جديد.
في كل جلسة تدريبية، كان يشعر وكأنه يعود من الصفر، وكأنه الطفل الصغير الذي بدأ اللعب في شوارع ليل للمرة الأولى. لكن الفرق هذه المرة أن جسده كان مترددًا، أحيانًا كان يستجيب، وأحيانًا يخذله. كان عليه أن يتحلى بالصبر، وكان يعلم أن كرة القدم لا تمنح الفرص بسهولة، لكنها في النهاية تكافئ من لا يتوقف عن المحاولة.
الأحد 16 فبراير 2025، جاءت اللحظة التي انتظرها الجميع، اللحظة التي حلم بها في كل ليلة وهو على سرير المستشفى، اللحظة التي جعلته يتحمل شهورًا من الألم والتدريبات الصعبة، مدرب ليل قرَّر منحه الفرصة أمام ستاد رين في الدوري الفرنسي، عندما أُعلن اسمه بين البدلاء، شعر بقشعريرة تسري في جسده، كانت ليلة باردة، لكن قلبه كان يشتعل حماسًا، الجماهير في المدرجات لم تكن متأكدة مما إذا كان بإمكانه العودة إلى مستواه السابق، لكن نبيل لم يكن لديه أي شك، عندما أشار إليه المدرب في الدقيقة 76، وقف، تنفس بعمق، ونظر إلى السماء قبل أن يخطو داخل الملعب، لم يكن مجرد لاعب عائد، كان محاربًا انتصر في معركة غير متكافئة، في معركة لم يكن خصومه فيها لاعبين آخرين، بل كانت معركة مع قلبه، مع جسده، مع الخوف، مع كل لحظة شك مرت في ذهنه وهو مستلقٍ في تلك الغرفة الباردة بالمستشفى.
عندما لمس الكرة للمرة الأولى، شعر وكأنها تهمس له، لقد عدت، اركض، تبادل التمريرات، وبدأ وكأنه لم يبتعد أبدًا عن الملاعب، لكن اللحظة الأعظم لم تأتِ بعد، بعد أربع دقائق فقط، وجد نفسه داخل منطقة الجزاء، والكرة أمامه، لم يفكر مرتين، سدَّد بقوة، والشباك تهتز.
في لحظة واحدة، تحوّل الصمت إلى صخب، الجماهير انفجرت بالهتاف، زملاؤه احتضنوه، لكن بالنسبة له، لم يكن هذا مجرد هدف، بل كان انتصارًا على الموت، على الخوف، على كل من قال إنه قد لا يعود أبدًا، عندما نظر إلى الشاشة ورأى اسمه بجانب الهدف، ابتسم، لم تكن مجرد كرة دخلت الشباك، كانت إعلانًا بأن القلب الذي كاد يتوقف، ينبض الآن بقوة أكبر من أي وقت مضى.
لم يكن الفوز في المباراة هو الأهم، بل كانت هذه الليلة تأكيدًا على أن اللاعب الذي كاد يخسره عشاق كرة القدم، عاد أقوى من أي وقت مضى، عاد ليحكي قصة ستظل محفورة في عالم الرياضة.


نبيل بن طالب.. خذله قلبه وأنقذه إصراره