|


محمد المسحل
العائد على الاستثمار في الرياضة «ROI- In Sports»
2025-03-22
يلعب الاستثمار في القطاع الرياضي دورًا محوريًا في تطوير الاقتصاد وتعزيز المكانة الدولية للدول، بالإضافة إلى تأثيره الإيجابي على المستوى الاجتماعي والصحي والثقافي. وفي المملكة، نشهد توسعًا متسارعًا في قطاع الرياضة، سواءً من خلال الدعم المقدم من الدولة للمؤسسات الرياضية، أو من خلال استقطاب البطولات العالمية مثل سباقات السيارات «فورمولا 1 وفورمولا إي ورالي داكار»، والمنظومات العالمية للجولف، والتنس، والملاكمة وغيرها. ومع تزايد حجم الإنفاق، يصبح من الضروري قياس العائد على الاستثمار «ROI» في هذا القطاع بشكل شامل، بما في ذلك العوائد المالية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية والخبرات البشرية.
فيما يلي أستعرض آليات ومؤشرات يمكن الاستعانة بها لقياس هذا العائد، وأيضًا لكيفية رفع قيمة العائد على الاستثمار بكل أنواعه.
سأبدأ بمفهوم العائد على الاستثمار في القطاع الرياضي. حيث أن العائد على الاستثمار «Return on Investment - ROI» هو مقياس يهدف إلى تقييم مدى استفادة الجهة أو الدولة من المبالغ التي أنفقتها على مشروع أو مبادرة معينة. ويُحتسب العائد المالي عادةً باستخدام المعادلة الحسابية المعروفة لذلك، إلا أن قياس ROI في قطاع الرياضة لا يقتصر على الجانب المالي فحسب، بل يشمل أبعادًا أخرى قد تكون أصعب في القياس الرقمي المباشر، مثل الأثر الاجتماعي والسياسي والثقافي واكتساب ونقل الخبرات والتقنيات. وعلى أية حال، يظل للعائد المالي أهميته التي سأتطرق لها بنوع من التفصيل فيما يلي:
1. الإيرادات المباشرة:
• إيرادات التذاكر والاشتراكات في الأندية والاتحادات الرياضية.
• العوائد من عقود الرعاية والإعلانات التلفزيونية وحقوق البث.
• المداخيل الناتجة عن السياحة الرياضية؛ كحجز الفنادق والمطاعم والنقل أثناء الفعاليات.
• زيادات في الإنفاق العام في المنطقة المستضيفة للحدث «تحريك قطاع الخدمات، التجزئة، المطاعم وغيرها».
2. الإيرادات غير المباشرة:
• زيادة الوعي بالعلامة التجارية للوجهة السياحية أو للمدينة المستضيفة، مما يعود بالنفع لاحقًا على قطاعات أخرى مثل السياحة والترفيه.
• تنشيط قطاع العقار والبنية التحتية وتحفيز الاستثمار فيها.
3. مؤشرات قياس العائد المالي:
• معدل نمو الدخل من بيع التذاكر والرعاية خلال فترة زمنية محددة.
• معدل زيادة الوظائف في القطاع الرياضي أو القطاعات المساندة «مطاعم، فنادق، نقل، شركات خدمات».
• قياس الإنفاق السياحي «متوسط الإنفاق للسائح × عدد السياح الإضافيين الناتجين عن الفعالية».

أما العائد الاجتماعي من الاستثمار في الرياضة، فيمكننا محاولة حصره فيما يلي:
1. تحسين الصحة العامة:
• زيادة أعداد ممارسي الرياضة والأنشطة البدنية، مما يقلل من التكاليف الصحية على المدى الطويل.
• إمكانية الاستفادة من المرافق الرياضية الحديثة في تعزيز الصحة المجتمعية.
2. التنمية المجتمعية والشبابية:
• احتواء أكبر نسبة ممكنة من الشباب وتوجيه طاقاتهم نحو الفعاليات والمنافسات الرياضية يسهم في الحد من الظواهر السلبية.
• تعزيز روح التطوع والمشاركة المجتمعية في تنظيم البطولات والفعاليات.
3. مؤشرات قياس العائد الاجتماعي:
• عدد المشاركين في البرامج الرياضية على مستوى المدارس والجامعات والأحياء.
• نسبة الوعي الصحي وقياس مؤشر كتلة الجسم «BMI» وانتشار السمنة في المجتمع مع مرور الوقت.
• عدد المبادرات المجتمعية والتطوعية المرتبطة بالفعاليات الرياضية.

وفيما يخص العائد السياسي والدبلوماسي، فهو عائد غاية بالأهمية، وقد يكون هو العائد الأبرز حتى الآن بين باقي العائدات التي حققتها المملكة من خلال استثماراتها الرياضية، وتمثلت بما يلي:
1. تعزيز المكانة الدولية:
• زيادة الحضور العالمي وارتفاع مستوى الاهتمام الدولي بالمملكة كوجهة رياضية.
• إبراز قدرات الدولة التنظيمية أمام المنظمات والاتحادات الرياضية العالمية.
2. القوة الناعمة «Soft Power»:
• تأكيد الصورة الذهنية المشرفة للمملكة وزيادة تأثيرها في الأوساط الدولية من خلال التعاون الرياضي والثقافي.
• إمكانية استخدام النجاح الرياضي كمنصة للتواصل مع القيادات السياسية والمؤسسات الدولية.
3. مؤشرات قياس العائد السياسي:
• حجم التغطية الإعلامية العالمية عن الفعاليات الرياضية المرتبطة بالمملكة.
• مستوى التمثيل الرسمي والحضور الدولي في البطولات والفعاليات.
• عدد الاتفاقيات الدولية أو الشراكات الاستراتيجية في المجال الرياضي التي تم توقيعها.

أما العائد التكنولوجي واكتساب الخبرات، فهو برأيي الأقل وضوحًا حتى الآن، والذي من الضروري أن يتم الاهتمام به من خلال التعاقدات التي تُبرم مع الجهات المنظمة للكثير من البطولات والفعاليات التي تستضيفها المملكة، وهي موضحة بما يلي:
1. نقل التكنولوجيا الرياضية:
• تطوير البنية التقنية المتعلقة بالرياضات الحديثة «مثل أجهزة القياس، التحليل، المتابعة الرقمية».
• استخدام أنظمة التذاكر الإلكترونية وتقنيات متطورة في إدارة الأحداث الرياضية.
2. بناء الخبرات المحلية:
• تدريب الكوادر الوطنية على تنظيم الفعاليات العالمية بكفاءة واحترافية.
• توفير فرص تعلم وتنمية مهارات «إدارية، تنظيمية، تقنية» للموظفين والمتطوعين.
• تقليل الاعتماد على الشركات الأجنبية التي تستجلب موظفين دوليين، مما يقلل من التكاليف ويعزز توطين المعرفة.
3. مؤشرات قياس العائد التكنولوجي والخبرات:
• عدد الأفراد المؤهلين في إدارة وتنظيم الفعاليات الرياضية الدولية.
• انتشار استخدام التكنولوجيا الحديثة في المرافق والفعاليات الرياضية.
• مدى استقلالية الاتحادات والأندية في تنظيم البطولات دون اللجوء لمقدمي خدمات أجانب.

ولرفع العائد على الاستثمار الرياضي، هناك آليات، أذكر بعضها فيما يلي:
1. التخطيط الاستراتيجي
• وضع خطط طويلة المدى محددة الأهداف «قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى» تتضمن استراتيجية واضحة للاستثمار في البنية التحتية والمرافق.
• التركيز على اختيار الفعاليات الرياضية ذات العائد المرتفع سواءً ماليًا أو سياحيًا أو إعلاميًا.
2. تفعيل الشراكات مع القطاع الخاص
• الدخول في شراكات مع شركات استثمارية محلية وعالمية؛ لتقاسم التكاليف والمخاطر ولزيادة الخبرات وتبادل المعرفة.
• تشجيع رعاية القطاع الخاص للفعاليات الرياضية وتقديم تسهيلات ضريبية أو امتيازات إعلانية وجماهيرية لجذبهم.
3. توطين الخبرات والتكنولوجيا
• إطلاق برامج تدريب مكثفة للمواطنين في مجالات إدارة وتنظيم الأحداث الرياضية والتسويق الرياضي والبث التلفزيوني.
• عقد شراكات مع شركات عالمية لاستقطاب التكنولوجيا الرياضية ونقلها محليًا من خلال التدريب والتوظيف والتصنيع الجزئي.
4. تعزيز الابتكار وريادة الأعمال
• دعم إنشاء شركات ناشئة متخصصة في الخدمات الرياضية «تطبيقات الحجز، الاستشارات، التحليلات الرياضية، التسويق الإلكتروني، إدارة البيانات».
• تحفيز الجامعات ومراكز الأبحاث على تطوير حلول مبتكرة في مجال الرياضة وعقد شراكات مع الأندية والاتحادات.
5. التسويق والترويج الفعال
• توظيف وسائل الإعلام والمنصات الرقمية والإعلانية للترويج للمملكة كوجهة رياضية عالمية.
• إبراز قصص النجاح والأبطال المحليين لرفع مستوى الحماس لدى الجمهور والتأثير على الرعاة والداعمين.
6. الرقمنة وقياس الأداء
• الاستفادة من الأنظمة الرقمية لجمع البيانات وقياس مؤشرات الأداء في كل فعالية أو بطولة.
• تحليل البيانات بعد الفعاليات لاستخلاص الدروس وتحديد نقاط القوة والضعف، ووضع خطط تحسين.

وبعد كل ذلك، من الضروري أن يكون هناك منهجية لقياس ومتابعة العائد على الاستثمار، يمكن شرحها فيما يلي:
1. تحديد الأهداف ومؤشرات الأداء الأساسية «KPIs»
• تصنيف الأهداف إلى مالية «مبالغ ربح/إنفاق» واجتماعية «صحة المجتمع» وسياسية «إظهار الصورة الذهنية الحقيقة والمشرفة» وتكنولوجية «نسبة التوطين والخبرات».
• تحديد مؤشرات دقيقة تتوافق مع كل هدف، مثل:
• مالي: صافي العوائد، نسبة الزيادة في الرعايات.
• اجتماعي: معدل المشاركة الشبابية، معدل اللياقة البدنية.
• سياسي: التغطية الإعلامية العالمية، عدد الشراكات الدولية.
• تكنولوجي: عدد الكوادر المحلية المؤهلة تقنيًا، مستوى اعتماد المنظومات الرقمية.
2. جمع البيانات وتحليلها
• تصميم نماذج واستبانات لقياس رضا الجماهير والمشاركين.
• الاستفادة من بيانات التذاكر والمبيعات والسياحة لتحليل العوائد المالية والأمنية والصحية.
• متابعة مؤشرات التوظيف والتوطين في الشركات المنظمة والموردة للخدمات.
3. مقارنة النتائج بالمعايير المرجعية «Benchmarking»
• مقارنة النتائج المتحققة مع تجارب دول أخرى أو فعاليات مشابهة عالمية.
• استخدام المقارنات لاستخلاص الفروقات وتحديد مجالات التحسين.
4. تقييم الفعاليات وإعداد التقارير
• إعداد تقارير شاملة بعد كل فعالية أو بطولة، تسلّط الضوء على جميع أنواع العوائد «مالية، اجتماعية، سياسية، تكنولوجية».
• استخلاص الدروس المستفادة والتوصيات لتطوير أي فعالية مستقبلية.
5. التحسين المستمر
• مراجعة الإجراءات والسياسات بعد كل مرحلة تطبيقية لضمان التحسين المستمر للعوائد.
• تحديث الخطط الاستراتيجية بناءً على النتائج المحققة ومؤشرات الأداء، والاستعانة بآليات الذكاء الاصطناعي في ذلك.

يعد قياس العائد على الاستثمار في القطاع الرياضي عملية متعددة الأبعاد، إذ لا تقتصر أهميتها على الحسابات المالية المباشرة، بل تمتد لتشمل التأثير الإيجابي في المجتمع والنظام الصحي والتقدم التكنولوجي والصورة الدبلوماسية للمملكة. ومن خلال وضع خطط استراتيجية متكاملة وتحديد مؤشرات أداء واضحة، يمكن تعزيز العوائد المختلفة وزيادة جدوى الاستثمارات الرياضية.

إنّ تطبيق هذه الآليات بانتظام يساعد الجهات المعنية، كوزارة الرياضة واللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية والأندية والشركات الخاصة، على اتخاذ قرارات مدروسة ترفع من قيمة الاستثمار وتضمن تحقيق أقصى فائدة ممكنة، سواءً من الناحية المالية أو الاجتماعية أو السياسية أو التكنولوجية، ما يجعل القطاع الرياضي رافدًا أساسيًا للتنمية الشاملة والمستدامة في المملكة.