|


محمد المسحل
كريستي كوفنتري: البطلة الرئيسة
2025-04-12
رحلة كريستي كوفنتري من سبَّاحةٍ أولمبيةٍ متألقةٍ إلى أول امرأةٍ وأول إفريقيةٍ «شقراء» تتولى رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية «IOC»، تُعدُّ قصةً استثنائيةً من الإنجازات الرياضية، والحنكة السياسية، والتأثير العالمي حيث إن مسيرتها المهنية، وخلفيتها العائلية، وأساليب قيادتها، تقدم نظرةً عميقةً على شخصيتها الاستثنائية، وتأثيرها المتنامي في الساحة الرياضية الدولية.

وُلدت كريستي لي كوفنتري 16 سبتمبر 1983 في مدينة هراري، عاصمة زيمبابوي، وهي تنتمي إلى أصولٍ قوقازيةٍ «مثل الشيشان وداغستان وما جاورهما»، وعلى الرغم من أصولها العرقية إلا أنها نشأت وسط ثقافةٍ زيمبابويةٍ خالصةٍ في مجتمع ما بعد الاستقلال حيث كانت القضايا العرقية مقعدةٍ نوعًا ما.

كان والدها روب، ووالدتها لين سبَّاحين هاويين، لذا غرسا في ابنتهما حب السباحة منذ نعومة أظافرها، فبدءًا بعمر 18 شهرًا فقط، أخذت كريستي تتعلم السباحة، بينما لعب جدها دورًا مهمًّا أيضًا بوصفه رئيسًا لاتحاد السباحة في روديسيا «الاسم القديم لزيمبابوي قبل الاستقلال».

تلقَّت كريستي تعليمها في مدرسة دومينيكان كونفنت الثانوية، وهي مدرسةٌ كاثوليكيةٌ خاصَّةٌ في هراري. وفي تسعينيات القرن الماضي، كانت السباحة في زيمبابوي، تُعدُّ رياضةً، تمارسها في الغالب الأقلية البيضاء، لكنها استطاعت بفضل موهبتها أن تتجاوز هذه التصنيفات الاجتماعية، وتحصل على دعمٍ من مختلف فئات الشعب الزيمبابوي. وفي عام 2001، حصلت كريستي على منحةٍ دراسيةٍ للالتحاق بجامعة أوبورن بولاية ألاباما في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تدرَّبت تحت إشراف المدربَين البارزين ديفيد مارش، وكيم براكن.

بدايتها الحقيقية على الساحة الدولية، كانت خلال أولمبياد أثينا 2004، إذ حققت ثلاث ميدالياتٍ أولمبية:
• ذهبية في سباق 200 متر ظهر.
• فضية في سباق 100 متر ظهر.
• برونزية في سباق 200 متر فردي متنوع.

وفي أولمبياد بكين 2008، عزَّزت مكانتها بوصفها أكثر رياضي إفريقي تتويجًا في الأولمبياد بعد فوزها بأربع ميدالياتٍ:
• ذهبية في سباق 200 متر ظهر.
• فضية في سباق 100 متر ظهر.
• فضية في سباق 200 متر فردي متنوع.
• فضية في سباق 400 متر فردي متنوع.

وبإجمالي سبع ميدالياتٍ أولمبيةٍ، أصبحت كريستي كوفنتري أبرز رياضي في تاريخ زيمبابوي، ونالت لقب «الفتاة الذهبية لزيمبابوي».

وبعد اعتزالها السباحة التنافسية، انتقلت كريستي إلى الإدارة الرياضية. وفي عام 2013، عندما انتُخبت عضوًا في لجنة الرياضيين التابعة للجنة الأولمبية الدولية، كرَّست جهودها للدفاع عن حقوق الرياضيين، وضمان رفاهيتهم. وفي 2018، أصبحت رئيسةً لهذه اللجنة، ما وسَّع نفوذها داخل اللجنة الأولمبية الدولية، كما شغلت منصب رئيس لجنة تنسيق أولمبياد الشباب داكار 2026، ولعبت دورًا بارزًا في التحضيرات لأولمبياد بريسبن 2032 في أستراليا «الذي سيلي أولمبياد لوس أنجليس 2028 المقبل».

وفي عام 2018، تم تعيين كوفنتري وزيرةً للشباب والرياضة والفنون والترفيه في حكومة إيمرسون منانجاجوا، الرئيس الزيمبابوي، وكان تعيينها لافتًا، كونها كانت العضو الوحيد الأبيض في حكومةٍ مكوَّنةٍ من 23 وزيرًا، في خطوةٍ، رآها بعضهم محاولةً لجسر الفجوة العرقية في زيمبابوي. وخلال فترة ولايتها، اتخذت كريستي قراراتٍ حاسمةً، من أبرزها تعليق عمل اتحاد كرة القدم الزيمبابوي بسبب اتهاماتٍ بفسادٍ، وتحرُّشٍ جنسي. ومع ذلك، تعرَّضت لانتقاداتٍ بسبب عملها في حكومةٍ، يُتَّهم نظامها السياسي بتقييد الحريات الديمقراطية، لكن كوفنتري أصرَّت على أن مهمتها كانت إصلاحَ القطاع الرياضي فقط، بعيدًا عن الجوانب السياسية.

وفي 20 مارس 2025، انتُخبت كريستي رئيسةً للجنة الأولمبية الدولية خلفًا للرئيس السابق توماس باخ، لتصبح أول امرأةٍ وأول إفريقيةٍ تتولى هذا المنصب. فازت كوفنتري في الجولة الأولى من التصويت حيث حصلت على 49 من أصل 97 صوتًا، متفوقةً وبشكلٍ مفاجئٍ جدًّا على منافسين بارزين مثل الإسباني خوان أنطونيو سامارانش الابن، واللورد البريطاني سيباستيان كو.

ومن أبرز العوامل التي أسهمت في فوزها:
1. دعم الرئيس السابق: يُعتقد أن توماس باخ، الرئيس السابق للجنة الأولمبية الدولية، قدَّم دعمًا غير مباشرٍ لكوفنتري، ما عزَّز فرصها لدى الأعضاء المؤيدين لاستمرار خط القيادة السابق.

2. تمثيل دول الجنوب العالمي: لكونها شخصيةً قياديةً من القارة الإفريقية، لقيت كوفنتري دعمًا قويًّا من الدول التي تطالب بتوسيع التمثيل الجغرافي داخل اللجنة الأولمبية الدولية.

3. الدفاع عن المساواة بين الجنسين: كان التزام كوفنتري بتعزيز مشاركة النساء في الرياضة والقيادة الرياضية متماشيًا مع أجندة اللجنة الأولمبية لتحقيق التوازن بين الجنسين.

4. الخبرة في الإدارة: أثبتت فترة ولايتها وزيرةً للشباب والرياضة في زيمبابوي قدرتها على التعامل مع الملفات السياسية والإدارية المعقَّدة.

وفيما يخصُّ رؤيتها المستقبلية للجنة الأولمبية الدولية، تسعى كريستي كوفنتري في قيادتها للجنة الأولمبية إلى التركيز على:
• تعزيز مشاركة الدول النامية في الأولمبياد.
• تحسين علاقات اللجنة الأولمبية مع اللجان الوطنية.
• تحديث آليات اختيار المدن المستضيفة لتحقيق العدالة والشفافية.
• تعزيز دور المرأة في القيادة الرياضية.
• مواجهة التحديات المتعلقة بالصحة النفسية للرياضيين.

كذلك أكدت التزامها بضرورة التمسُّك بمبادئ الحياد السياسي للجنة الأولمبية، مشددةً على أن المنظمة يجب أن تظل بمنأى عن الضغوط السياسية الخارجية.

على أية حالٍ، تُمثِّل رحلة كريستي مثالًا حيًّا على تجاوز التحديات، وتحقيق النجاحات، وقد أثبتت قدرتها على التفوق الرياضي لاعبةً بطلةً، ما ساعدها في مرحلةٍ تاليةٍ لإحداث تغييراتٍ جذريةٍ في الإدارة الرياضية، بل وتولي قيادة المؤسسة الرياضية الأهم عالميًّا أيضًا. كريستي كوفنتري اليوم، هي شخصيةٌ مؤثرةٌ، تسعى إلى إحداث نقلةٍ نوعيةٍ في مستقبل الرياضة الأولمبية، وتعزيز دور القيم الأولمبية في جميع أنحاء العالم.

والجدير هنا، أن نفهم نحن أيضًا، أن البداية المبكرة للرياضي، هي التي تصنع منه ذلك البطل، وذلك الإداري الناجح، بل وذلك القيادي ذو المصداقية العالية أمام نفسه وأمام الآخرين. وأن نفهم، أن دور الرياضة المدرسية والجامعية، يمثِّل ركنًا أساسيًّا لنجاح الرياضة في أي بلدٍ، والأهم هنا، أن نفهم وبشكلٍ جلي، أن مَن يتسلَّم زمام العمل الرياضي، يجب أن يخرج من رحم الرياضة، فقط، خاصَّةً أولئك الذين في يدهم القرار الرياضي المباشر في وضع الاستراتيجيات وتنفيذها والإشراف عليها. هكذا كان جميع رؤساء اللجنة الأولمبية الدولية منذ تأسيسها تقريبًا وحتى اليوم، فالفرنسي بيير دي كوبرتان «1896ـ1925»، مؤسِّس الألعاب الأولمبية الحديثة، كان بطلًا في التجديف والمبارزة والجمباز وألعاب القوى، والبلجيكي هنري دي باي «1925ـ1942»، كان بطلًا في الفروسية، وعسكريًّا مهتمًّا بالرياضات العسكرية، والسويدي زيجفريد إدستروم «1942ـ1952»، كان بطلًا في ألعاب القوى «عداء 400 متر»، وكان ناشطًا في إدارة اتحادات ألعاب القوى، والأمريكي أفري بروندج «1952ـ1972»، كان بطلًا في ألعاب القوى «خاصةً العشاري»، وشارك في أولمبياد 1912، والإيرلندي لورد كيلانين «1972ـ1980»، كان بطلًا في سباقات السيارات، ومذيعًا وناشطًا إعلاميًّا في الرياضة، والإسباني خوان أنطونيو سامارانش «1980ـ2001»، كان بطلًا في هوكي الجليد، وحكمًا معتمدًا دوليًّا، والبلجيكي جاك روج «2001ـ2013»، كان بطلًا في رياضات الإبحار والرجبي، وكان مشاركًا في ثلاث دوراتٍ أولمبيةٍ في رياضة الإبحار، والدكتور الألماني توماس باخ «2013 ـ حتى الآن»، كان بطلًا في المبارزة «سلاح الشيش»، وفاز بالميدالية الذهبية في أولمبياد مونتريال 1976 مع منتخب ألمانيا الغربية.

وهذا ينسحب على جميع المؤسسات الرياضية التي لا تتقبَّل وجود غير الرياضيين لقيادة مؤسساتهم الرياضية، بل ولن تشهد هذه المؤسسات أي إنجازاتٍ ذات صيتٍ إلا بقيادة الرياضيين، والتجربة هي الحكم.