تسلحت بعدة أوراق علمية لكتابة هذا المقال، لم يكن مستغربًا أن تُعجب إحداها بلائحة الاحتراف السعودية، وتعتبرها الأحدث والأكثر نضجًا بين نظيراتها في العالم العربي. ومع ذلك، يبدو أنها لوائح تحاكي المستقبل ولا تخاطب الحاضر. إن التقدّم الطموح في صياغة اللوائح القانونية جعلها تبتعد عن بيئتها المحلية، وتقطع الصلة مع واقعها البنيوي والإداري.
قضية تفرغ اللاعب رافع الرويلي تمثل تجليًا واضحًا لهذا الانفصال، وتعيد إلى الواجهة واحدة من أقدم السجالات في الفقه القانوني: من ينزل على الآخر؟ النص أم الواقع؟
اللوائح السعودية لم يُشكك أحد في متانتها، لكن تطبيقها الصارم كما في هذه القضية أظهر وجهًا آخر للتعقيد، وذلك حين ينزل القانون على واقع لم يتهيأ له بعد. فالنصوص مهما بلغت من الدقة تبقى في فراغ إن لم تجد بيئة حاضنة لها، وبنية مؤسسية ناضجة، وضمانات اجتماعية تحمي الإنسان الذي خُصصت لأجله.
لا يريد حارس العروبة الالتفاف على فكرة الاحتراف، لكنه يدرك هشاشة ما يدعونه إليه. فلا ضمانات كافية لما بعد التقاعد الرياضي. ولا تستقيم مطالبته بترك وظيفته الحكومية امتثالًا لتزمت مفردة «التفرغ الكلي»، ما لم يكن هناك نظام جاهز يضمن له حقوقًا تأمينية يوازي نظامي التقاعد العسكري والمدني. فهل نظام التأمينات الاجتماعية اكتمل للاعبين؟ لا.
التحكيم اعتبر «التفرغ الكلي» يعني عدم الجمع بين وظيفتين، فيما كأن إزالة اتحاد القدم في 2024 لتفسير عدم وجود وظيفة أخرى، والذي كان في نسخة 2016 قد انبنى على إدارك لاحق للواقع، وتخلى عن تنطع سابق، فالاتحاد الأقرب لمجتمع اللاعبين وقد تراكمت أمامه شكاوى تأخر المستحقات، ويدرك ضعف احترافية الأندية، لكن أعضاء التحكيم غير المتفرغين أصلًا للمركز أو للقانون الرياضي رأوا خلاف ذلك. هكذا ببساطة تغلّب الشكل على الجوهر، وصار تقديس النص عائقًا لعدل منشود أمام فقه غائب. إن القانون خادم للعدالة لا سيد عليها، ولنا أن نرى أن الوزارات لا تُسمى وزارات «القانون» بل وزارات «العدل».
نعم اعتراض نادي النصر وجيه، لكنه يفتح من حيث لا يقصد جرحًا أوسع. فهل يعقل أن نطلب من لاعب محترف أن يلتزم بتفرغ مطلق في دوري يشهد تأخّر الرواتب حتى أرهقت الديون عددًا من اللاعبين السعوديين؟ إنها أندية لا تزال تعيش على الرعوية والموافقات المركزية، لا على نموذج استثماري مستقل ومستدام.
من الخطر أن يُفسَّر «التفرغ الكلي» وكأنه حجر على حرية اللاعب في ممارسة أي نشاط آخر. لأن بهذا الفهم قد يُمنع اللاعب من السجل التجاري أو إدارة مشروع عائلي، في تصادم مع النظام الذي تكفله الدولة لكل مواطن. هذا التفسير إن بقي دون ضبط قد يحرم اللاعبين من أبسط وسائل الحماية الذاتية لمستقبلهم.
ما حدث يعيد للأذهان الموجة الأولى من الصدامات بين اللاعب واللوائح، كما وقع في أوروبا قبل ثلاثين عامًا مع جان مارك بوسمان، لكن الفرق أن اللاعب بوسمان قاد تحولًا تشريعيًّا نال به حكمًا تاريخيًّا من محكمة العدل الأوروبية عام 1995، وحرّر به كل اللاعبين من بعده من قبضة الأندية، بينما تقف قضية رافع اليوم أمام مفترق: إما أن تدعونا لإصلاح بيئة الاحتراف، أو أن تتحول إلى سابقة تُقيد اللاعبين وتضعهم أمام خيار مستحيل: إما احتراف رياضي هزيل، أو وظيفة بلا طموح كروي، فعلى رابطة لاعبي الكرة السعوديين أن تتحول إلى «بوسمان السعودية» لتقود تغييرًا يحاكم الواقع لا رافع.
قضية تفرغ اللاعب رافع الرويلي تمثل تجليًا واضحًا لهذا الانفصال، وتعيد إلى الواجهة واحدة من أقدم السجالات في الفقه القانوني: من ينزل على الآخر؟ النص أم الواقع؟
اللوائح السعودية لم يُشكك أحد في متانتها، لكن تطبيقها الصارم كما في هذه القضية أظهر وجهًا آخر للتعقيد، وذلك حين ينزل القانون على واقع لم يتهيأ له بعد. فالنصوص مهما بلغت من الدقة تبقى في فراغ إن لم تجد بيئة حاضنة لها، وبنية مؤسسية ناضجة، وضمانات اجتماعية تحمي الإنسان الذي خُصصت لأجله.
لا يريد حارس العروبة الالتفاف على فكرة الاحتراف، لكنه يدرك هشاشة ما يدعونه إليه. فلا ضمانات كافية لما بعد التقاعد الرياضي. ولا تستقيم مطالبته بترك وظيفته الحكومية امتثالًا لتزمت مفردة «التفرغ الكلي»، ما لم يكن هناك نظام جاهز يضمن له حقوقًا تأمينية يوازي نظامي التقاعد العسكري والمدني. فهل نظام التأمينات الاجتماعية اكتمل للاعبين؟ لا.
التحكيم اعتبر «التفرغ الكلي» يعني عدم الجمع بين وظيفتين، فيما كأن إزالة اتحاد القدم في 2024 لتفسير عدم وجود وظيفة أخرى، والذي كان في نسخة 2016 قد انبنى على إدارك لاحق للواقع، وتخلى عن تنطع سابق، فالاتحاد الأقرب لمجتمع اللاعبين وقد تراكمت أمامه شكاوى تأخر المستحقات، ويدرك ضعف احترافية الأندية، لكن أعضاء التحكيم غير المتفرغين أصلًا للمركز أو للقانون الرياضي رأوا خلاف ذلك. هكذا ببساطة تغلّب الشكل على الجوهر، وصار تقديس النص عائقًا لعدل منشود أمام فقه غائب. إن القانون خادم للعدالة لا سيد عليها، ولنا أن نرى أن الوزارات لا تُسمى وزارات «القانون» بل وزارات «العدل».
نعم اعتراض نادي النصر وجيه، لكنه يفتح من حيث لا يقصد جرحًا أوسع. فهل يعقل أن نطلب من لاعب محترف أن يلتزم بتفرغ مطلق في دوري يشهد تأخّر الرواتب حتى أرهقت الديون عددًا من اللاعبين السعوديين؟ إنها أندية لا تزال تعيش على الرعوية والموافقات المركزية، لا على نموذج استثماري مستقل ومستدام.
من الخطر أن يُفسَّر «التفرغ الكلي» وكأنه حجر على حرية اللاعب في ممارسة أي نشاط آخر. لأن بهذا الفهم قد يُمنع اللاعب من السجل التجاري أو إدارة مشروع عائلي، في تصادم مع النظام الذي تكفله الدولة لكل مواطن. هذا التفسير إن بقي دون ضبط قد يحرم اللاعبين من أبسط وسائل الحماية الذاتية لمستقبلهم.
ما حدث يعيد للأذهان الموجة الأولى من الصدامات بين اللاعب واللوائح، كما وقع في أوروبا قبل ثلاثين عامًا مع جان مارك بوسمان، لكن الفرق أن اللاعب بوسمان قاد تحولًا تشريعيًّا نال به حكمًا تاريخيًّا من محكمة العدل الأوروبية عام 1995، وحرّر به كل اللاعبين من بعده من قبضة الأندية، بينما تقف قضية رافع اليوم أمام مفترق: إما أن تدعونا لإصلاح بيئة الاحتراف، أو أن تتحول إلى سابقة تُقيد اللاعبين وتضعهم أمام خيار مستحيل: إما احتراف رياضي هزيل، أو وظيفة بلا طموح كروي، فعلى رابطة لاعبي الكرة السعوديين أن تتحول إلى «بوسمان السعودية» لتقود تغييرًا يحاكم الواقع لا رافع.