|




عبد المحسن القباني
صك الجودة الأوروبي
2025-07-20
".. قلقُ المكانة قلقٌ خبيث إلى حد قدرته على إفساد مساحات شاسعة من حياتنا…" هذا مما ذكره المؤلف آلان دو بوتون في كتابه المترجم إلى العربية قلق السعي إلى المكانة (Status Anxiety)، حيث يركز على أن الإنسان المعاصر يعيش في دوامة البحث عن قبول وإعجاب وهذا لا يتأتى إلا بالوصول لمكانة بين ذويه وعالمه ومجتمعه. عدت للاطلاع على الكتاب بعد أن داهمني الفرحون بمقال مارتن صامويل المنشور في التايمز اللندنية حين رأينا أننا انتزعنا منه اعترافًا بمستوى دوري روشن، وأن إنجلترا بخسته حقه. ما لداعي إلى تلك الحفاوة بالمقال؟ ولماذا كل هذا الاكتراث بوجهة النظر الأوربية؟ تلك القارة المتراجعة في دورها وتأثيرها حتى وصفها الأكاديمي الأمريكي ريتشارد وولف Richard Wolff بأنها باتت ركنًا غير مهم من العالم، لتصبح مزارًا سياحيًا، لا قوة لديها ولا قرار، حسب وصفه.
في مشروعنا الرياضي، لندرك أن الموازين قبل مونديال الدوحة 2022 ليست كما بعده. لم تكن مجرد بطولة كروية، بل مسرحًا لعراك ثقافي في لحظة كشفت تحوّلا في الرياضة. رغم كل الضجيج، مضى المونديال وحقق نجاحًا تاريخيًا خاتمًا الحدث بانتصار ثقافي، حين تفرجت أوروبا المُقاطِعة على "بشت ميسي" وأكثرت من انتقاد رمزيته، لكنه انتقاد بلا تأثير حين لبس اللاتينيون البشت محتفين ببطلهم. لنعي أنها تستعيض فقدان دورها القيادي برفع شعارات "القيم" و"المعايير الأخلاقية" ومنح "صكوك الجودة"، وتحاول بها ضبط الآخرين وتعكير صفوهم. قارة ترفع الصوت في قضايا مختلفة حين تقل حيلتها، في عصرٍ لا تملك القوة لفرض نفسها على واقع عالمي يتغير. بعد أن نعي ذلك، فلنَنْعِها.
الخشية أن تكون بوصلتنا مرتهنة لـ"قلق السعي إلى المكانة" عبر نيل إعجاب أوروبا أو استرضائها. إنه القلق الذي وصفه آلان دو بوتون حين قال: "ينبع من وهم أننا لا نساوي شيئًا إن لم ينظر إلينا الآخرون بإعجاب"، نحن لسنا بحاجة لأن نقنع القارة العجوز بما نقوم به، ولا لنلحق بذوقها الإعلامي، أو نساوم على ثقافتنا. ومع ذلك، لا يمنعنا هذا من الاستفادة من تجارب الصادقين لجذب الاستثمارات الأجنبية وشراكاتهم النافعة. كل ذلك يتماشى في أن نستمر في تحقيق مصالح مجتمعاتنا، ونعبّر عن هويته، ونقيم وزنه في سوق الرياضة العالمية وفق معاييرنا نحن. ثم لنسأل أنفسنا سؤالًا يشبه سؤال المؤلف: هل يستحق نيل الإعجاب ما يقدم من تضحيات؟. حينها أيها السعودي.. انطلق ولا تكترث بالثناء أو بالهجاء.