ريتشارليسون.. مجرم صغير دخل عالم الأثرياء

الرياض - إبراهيم الأنصاري 2025.08.17 | 02:24 pm

«مشرد»، «مجرم صغير»، هكذا كان الناس يصفون الطفل ريتشارليسون وهو يركل الكرة في شوارع نوفا فينيسيا الفقيرة.
لكن هذا الصبي، الذي كان يلعب على الأسفلت حتى تنزف أصابع قدميه، لم يستمع إلى كلمات الإحباط وأصبح الآن أحد أثرياء الساحرة المستديرة.
اليوم، يقف ريتشارليسون، نجم فريق توتنام الأول لكرة القدم ومنتخب السامبا، في قلب ملاعب الدوري الإنجليزي الممتاز، يساعد عائلته ويثبت للعالم أن الحلم يمكن أن يصبح حقيقة. «لم أصبح مجرمًا كما قالوا، أنا هنا، وهذا هو المهم»، يقول بثقة تعكس رحلة صمود استثنائية.
ولد ريتشارليسون أندرادي في 10 مايو 1997 في نوفا فينيسيا، ولاية إسبيريتو سانتو بالبرازيل، في حي متواضع حيث كانت كرة القدم ملاذه الوحيد.
والده أنطونيو، حفار مناجم، زرع فيه حب اللعبة، كان الطفل يقضي ساعات يركل الكرة في الشوارع، غير عابئ بالجروح الصغيرة التي تركها الأسفلت، لكن الحياة لم تكن سهلة. في سن السادسة، انفصل والداه، وفي لحظة وداع مؤلمة، تشبث ريتشارليسون بوالده متوسلًا إياه أن يأخذه معه. لكن الظروف قادته إلى منزل عمته أوديسيا في كوخ صغير بأربع غرف. كانت أوديسيا حاملًا، ترعى ثلاثة أطفال آخرين، وتعيش وسط تسربات المطر وتوترات منزلية. في هذا الكوخ، نام الجميع في سرير واحد، لكن ريتشارليسون لم يفقد شغفه.
في النهار، كان يذهب إلى المدرسة ويبيع المصاصات والشوكولاتة مع ابن عمه لكسب بضعة ريالات. في المساء، كان يسافر بالحافلة إلى مدينة مجاورة لحضور دروس كرة القدم. واجه انتقادات قاسية من الجيران الذين وصفوه بـ«البلطجي»، لكنه لم يلتفت إليهم، «كنت أعرف حلمي»، يقول ريتشارليسون، الذي بدأ موهبته تتألق في سن الثالثة عشرة.
في 2013، انضم إلى نادي ريال نورويستي، متخليًا عن لقب «شارلينيو» الطفولي. ثم انتقل إلى أمريكا-إم جي في 2015، حيث سجل أول أهدافه الاحترافية. بعدها، وقّع مع فلومينينسي، ليخطو خطوة كبيرة نحو العالمية عام 2017 بانضمامه إلى واتفورد في الدوري الإنجليزي. في 2018، أصبح صفقة قياسية بقيمة 45 مليون جنيه إسترليني مع إيفرتون، قبل أن ينتقل إلى توتنام في 2022، ليصبح أحد أبرز نجوم الدوري ويثبت مدى أهميته للنادي اللندني حين سجل هدفين رائعين في الفوز 3-0 على بيرنلي في الدوري الإنجليزي الممتاز السبت.
على المستوى الدولي، حمل ريتشارليسون آمال البرازيل في كأس العالم 2022 بقطر، لكنه عاش لحظات مؤلمة بعد الخروج من البطولة.
شوهد يبكي في غرفة تبديل الملابس، قائلاً بحسرة: «فقدنا فرصة التتويج، دعوني وشأني». هذه الدموع عكست شغفه العميق وإنسانيته التي تتجلى أيضًا في علاقته بعمته أوديسيا. كان يحمي ابنها الجنين من ضوضاء الخلافات المنزلية بتشغيل الموسيقى عبر سماعات الهاتف، ولاحقًا ساعدها بسداد قرض منزلها وهداها دراجة نارية. تقول أوديسيا بفخر: «كانوا يسمونه بلطجيًا، لكنني لم أشك فيه أبدًا».
في تصريحات لمجلة «فور فور تو»، يتذكر ريتشارليسون طفولته: «كان العديد من أصدقائي في السجن أو ماتوا.. كنت قريبًا من الجريمة، لكنني اخترت طريقًا آخر.. أنا الآن في الدوري الإنجليزي، أساعد عائلتي، وأعيش حلمي».
في إنجلترا تعلم اللغة، حصل على تأشيرة لثلاثة أعوام، وأصبح يعيش بمفرده، متكيفًا مع بيئة جديدة بثقة.
على وسائل التواصل الاجتماعي، يتفاعل ريتشارليسون بمرح، متجاهلًا التعليقات السلبية: «إذا فكرت فيما سيقوله الآخرون، لن تنشر شيئًا». هذا النهج يعكس شخصيته القوية، التي تجمع بين الإصرار والوفاء.