نوارس دجلة.. أسّسه وزير.. تسمّى بالعاصمة.. وأنجب الأساطير

إذا أردنا سرد روايةٍ لكرة القدم العراقية، فلا بد من تخصيص جزءٍ أساسٍ منها لنادي الزوراء، فالفريق المعروف بـ «النوارس» فرض نفسه زعيمًا لعالم المستديرة في بلاد الرافدين، وعبر حقبٍ عدة، لتكون في حائط إنجازاته أرقامٌ قياسيةٌ بجميع المسابقات المحلية في العراق، أي في عدد بطولات الدوري والكأس والسوبر، خلال مسيرةٍ طويلةٍ، فتحها وشقَّ طريقها نخبةٌ من أبرز أساطير اللعبة هناك، الذين ارتدوا القميص الأبيض، وصعدوا به إلى المنصات في مشهدٍ متكررٍ.
وتأسَّس هذا النادي عام 1969 عن طريق عدنان أيوب العزي، وزير النقل والمواصلات في العراق حينها، وهو يتبع حتى يومنا هذا ملكية وزارة النقل العراقية، وحمل اسم نادي «المواصلات» في مرحلة نعومة الأظافر، قبل أن يُطلق عليه اسم الزوراء عام 1972، وهو لقبٌ قديمٌ لبغداد، العاصمة العراقية، علمًا بأن مقر النادي يقع في منطقة العطيفية بالكرخ في بغداد، وملعبه يلاصق نهر دجلة من جهته الغربية.
وإلى جانب الحلقات الأولمبية والألوان البيضاء والزرقاء والصفراء، يتوسَّط شعار نادي الزوراء حصانٌ مجنحٌ، والحصان المجنح يُعدُّ في الأساطير الإغريقية رمزًا للحرية والقوة والإلهام والانتصار، ولو أن الحضارة الآشورية في بلاد الرافدين عُرفت برمزيةٍ للثور المجنح عوضًا عن الحصان.
ودخل الزوراء معترك المنافسة بعد مرور أعوامٍ قليلةٍ على تأسيسه، إذ صعد إلى دوري الدرجة الأولى موسم 1975ـ1976، واستفاد من إغلاق نادي النقل أبوابه في الفترة نفسها، وانتقال مجموعةٍ من لاعبيه إلى الزوراء، فكانت النتيجة تتويج الأخير بثنائية الدوري والكأس في أول موسمٍ له بين الكبار تاريخيًّا.
وبحلول عام 1980، كان في رصيد الزوراء خمسة ألقابٍ بين الدوري العراقي، وكأس العراق في إنجازاتٍ، كتبها نجوم الجيل الأول لهذا الفريق، على رأسهم حازم جسام الذي مثَّل «النوارس» من تأسيس النادي وحتى 1980، وثامر يوسف الذي أمضى مسيرته كاملةً مع الزوراء بين 1970 و1987، وحصل خلالها على لقب هداف الدوري العراقي ثلاث مراتٍ، وعلي كاظم الذي لعب للفريق بين 1975 و1982، علمًا بأنّه لا يزال رابعًا في قائمة أفضل الهدافين في تاريخ المنتخب العراقي الأول.
وإلى جانب هذه الأسماء، لا بد من ذكر نجمين آخرين، تألَّقا بقميص الزوراء في تلك الفترة، وهما عدنان درجال الذي لعب للفريق في بداية مسيرته بين 1977 و1980، وتحوَّل إلى اسم رياضي عراقي كبيرٍ، فقد مثَّل «أسود الرافدين» في 122 مباراةً دوليةً، وعُيِّن وزيرًا للثقافة لفترةٍ وجيزةٍ عام 2020، ووزيرًا للشباب والرياضة بين 2020 و2022، إضافةً إلى فلاح حسن، الذي طبع بصمةً لا تنسى مع العراق على المسرح الأولمبي بتسجيله هدفين في أولمبياد موسكو عام 1980.
وقدَّم الزوراء مع بداية حقبة الثمانينيات أحد ألمع النجوم في تاريخ كرة القدم العراقية، وهو أحمد راضي، الذي لعب للفريق في أربع فتراتٍ مختلفةٍ، بدءًا من عام 1981، ووصولًا إلى أواخر التسعينيات، وحقق مع الزوراء سبعة ألقابٍ، كما أصبح ثاني أفضل الهدافين في تاريخ المنتخب، وحصل على جائزة أفضل لاعبٍ في آسيا عام 1988، ولو أنه كان في صفوف فريق الرشيد في ذلك الوقت.
وإلى جانب راضي، شهدت قائمة الزوراء في الثمانينيات أسماءً لامعةً أخرى، مثل راضي شنيشل، وعدنان حمد، وكلاهما أخذ المسار نفسه في عالم الإدارة الفنية، إذ أشرف كلٌّ منهما على تدريب الزوراء في أربع فتراتٍ مختلفةٍ بعد نهاية مسيرتيهما داخل المستطيل الأخضر، علمًا أن حمد درَّب كذلك منتخبات العراق والأردن والبحرين ولبنان قبل تدريبه العروبة في دوري روشن السعودي الموسم الماضي.
وعرف الزوراء حقبةً ذهبيةً في التسعينيات عبر خمسة ألقابٍ في الدوري العراقي، وثمانيةٍ في مسابقة الكأس، إضافةً إلى فوزه بأول ألقابه في كأس السوبر عام 1998، والوصول إلى نصف نهائي دوري أبطال آسيا بمسمَّاه القديم عام 1997، ونهائي أبطال الكؤوس الآسيوية مع بداية الألفية الجديدة، عام 2000، وقد خسر اللقاء الختامي بهدفٍ دون ردٍّ أمام شيميزو الياباني.
ودخل الزوراء منحدرًا صعبًّا في الألفية الجديدة، إذ اكتفى منذ عام 2000 بخمسة ألقابٍ في الدوري العراقي، آخرها في 2018، وبثلاثةٍ في كأس العراق، آخرها عام 2019، ووقف أخيرًا في ظل فريق الشرطة، الذي حقق ستة ألقابٍ بعد عام 2000، وسيطر بشكلٍ كاملٍ على المشهد عبر تتويجه بلقب الدوري أربع مراتٍ متتالية في آخر أربعة مواسم.
وعلى الرغم من خفوت نجمه أخيرًا إلا أن الزوراء يبقى زعيمًا مطلقًا للكرة العراقية، ومن المتوقع أن يحافظ على هذا المسمَّى لأعوامٍ طويلةٍ مقبلةٍ، فهو تُوِّج بلقب الدوري ست مراتٍ أكثر من الشرطة، الوصيف التاريخي للدوري العراقي، كما أن الزوراء احتفل بكأس العراق عشر مراتٍ أكثر من القوة الجوية، أقرب منافسيه.
