خالد الربيعان
EA SPORT
2025-10-05
السعودية تخطو اليوم خطوات واسعة نحو العالم الجديد، عالم تتصدر فيه التقنية والتطبيقات والذكاء الاصطناعي المشهد الاقتصادي العالمي، وتتحول فيه المنصات الرقمية إلى أدوات قوة ونفوذ تعادل في أهميتها ما كانت تشكله الموارد الطبيعية في العقود السابقة. هذا التحول لم يأتِ صدفة، بل جاء ضمن رؤية السعودية 2030 التي وضعت التحول الرقمي في قلب استراتيجيتها، مدفوعة برغبة في تنويع مصادر الدخل، وصناعة اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار.
في السنوات الأخيرة ضخّت السعودية استثمارات ضخمة في مجال التقنية تجاوزت 14 مليار دولار عبر مؤتمرات مثل LEAP، وكيف أنشأت كيانات متخصصة مثل Savvy Games Group، وأطلقت مبادرات طموحة في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة الضخمة، لتؤكد أن السعودية لم تعد مجرد سوق مستهلكة للتقنية، بل لاعبًا يسعى إلى امتلاك أدواتها وصناعة مستقبلها.
ضمن هذا الإطار تأتي صفقة الاستحواذ الأخيرة على شركة Electronic Arts، المالكة لعلامة EA SPORTS الشهيرة، كخطوة فارقة في طريق دخول السعودية إلى قلب صناعة الألعاب العالمية. فقد أعلن تحالف تقوده السعودية من خلال صندوق الاستثمارات العامة، وبمشاركة شركات مثل Silver Lake ومستثمرين آخرين، عن إتمام صفقة شراء EA بقيمة 55 مليار دولار، لتصبح واحدة من أكبر صفقات الاستحواذ في قطاع التقنية والألعاب على مستوى العالم. هذه الصفقة لا تعكس فقط حجم القوة المالية التي باتت السعودية قادرة على تحريكها، بل تكشف عن وعي استراتيجي بأهمية الألعاب والتطبيقات كأحد أسرع الصناعات نموًا وأكثرها تأثيرًا في جيل الشباب حول العالم.
شركة EA ليست مجرد مطور ألعاب عادية، بل هي مؤسسة تمتلك علامات تجارية راسخة مثل FIFA وMadden وBattlefield، وألعابها تصل إلى مئات الملايين من المستخدمين. السيطرة على مثل هذه الشركة تعني أن السعودية باتت تمتلك منصة عالمية للتأثير الرقمي، قادرة على دمج الرياضة التقليدية التي تستثمر فيها السعودية بقوة، مع الرياضة الإلكترونية التي تمثل المستقبل. فالتكامل بين كرة القدم على أرض الملاعب وكرة القدم في العالم الافتراضي يمكن أن يخلق قيمة مضاعفة اقتصادية وثقافية وتسويقية، ويمنح السعودية فرصة لقيادة موجة جديدة في صناعة الرياضة العالمية.
هذه الصفقة تأتي امتدادًا لخطوات سابقة، مثل استحواذ Savvy Games على شركة Scopely مقابل 4.9 مليار دولار، ومشاركة الشركات السعودية في شراء قسم الألعاب من Niantic «مطور Pokémon Go» مقابل 3.5 مليار دولار.
كل هذه الصفقات تعكس إستراتيجية متماسكة تهدف إلى جعل السعودية مركزًا رقميًا عالميًا، يجذب الاستثمارات ويعيد تشكيل ملامح الصناعة.
ومع ذلك، لا تخلو هذه الخطوة من تحديات. فالصفقة ستخضع لمراجعات تنظيمية في الولايات المتحدة وأوروبا، كما أن المحافظة على ثقافة الابتكار داخل EA أمر جوهري لنجاحها.
وهناك أيضًا التوقعات الكبيرة بشأن العوائد المالية وكيفية إدارتها في سوق سريع التغير. لكن في المقابل، فإن نجاح السعودية في هذه الصفقة سيمنحها زخمًا هائلًا، وسيبعث برسالة إلى العالم أن السعودية أصبحت محطة لصناعة تقنية المستقبل.
إن صفقة EA ليست مجرد حدث اقتصادي، بل هي إشارة رمزية على دخول السعودية إلى العالم الجديد بكل قوة. عالم لا تُقاس فيه الثروة فقط بما يخرج من باطن الأرض، بل بما يُصنع في فضاءات التقنية والبيانات والتطبيقات. وفي هذا العالم، تضع السعودية نفسها في موقع القيادة، لتكون شريكًا رئيسًا في تشكيل المستقبل.