ذاكرة الأهلي والشباب.. بعد 1717 يوما جاء الرد القاتل

الحياة بوجها الأعمِّ لها حساباتها الكبيرة.. لها حساباتها الضيقة.. هي كرة القدم بالصيغة نفسها، والتوازنات نفسها، والمعادلة نفسها.. الذي يجرحك اليوم، تمني النفس دومًا أن تأخذ لك الليالي حقك منه وافيًا.. لا يشفي غليلك ويُبرِّد على قلبك الملتهب، ويطفئ نيران غضبك المشتعلة سوى ردٍّ، يجعلك تنام ملء جفونك عن شواردها.
بعد 1717 يومًا، جاء الرد الشبابي على ضربةٍ أهلاويةٍ موجعةٍ.. بين هذين الفريقين سجالاتٌ طوال من المناكفات والتحديات التي تنتقل بين الملعب، والمدرَّج، والإعلام في كل الاتجاهات حتى بدت العلاقة بينهما كما هي القرى التي تجافي بعضها بلا أسبابٍ متعقِّلةٍ.. هي لعبة الحياة، وصداماتها التي تنمو، وتعيش أحيانًا بلا جدوى ولا معنى.. في اليوم الـ 14 من أكتوبر للعام 2017، استضاف الشبابيون على ملعب الملز الأهلي، ذاك الطرف الجداوي الكبير.. كان أولئك اللاعبون الذين يرتدون القمصان الخضراء في أوج تألقهم وحضورهم بقيادة الهدَّاف التاريخي للدوري السعودي المحترف السوري عمر السومة.. كتيبةٌ متسلِّحةٌ بأسماءٍ، صنعت للأهلي شيئًا من أمجاده وإنجازاته.. يكفي أنها أعادت فرحة الفوز بالدوري إلى كل قلبٍ ينبض حبًّا بهذا الأهلي.. على الضفة الأخرى ما كان الشباب بكل ذاك التردِّي والسوء، لولا أن الأهلاويين رقصوا على جراح «الليث» بعد أن أثخنوه بخمس طعناتٍ، كانت كفيلةً لتكون النتيجة الأكبر بين المتصارعين طوال حقبة المحترفين.
عرف الشباب ورجاله أن في عنقهم دينًا، لابدَّ من تسديده مهما طالت المسافات.. في 27 يونيو 2022، كان الأهلي يواجه الخطر الأكبر في تاريخه، ويلامس للمرَّة الأولى مرابع الهبوط للدرجة الأدنى كخطوةٍ متكهربةٍ، لم يعتد الكبار على السير فيها.. يلتقيان لقاءً بلا عنوانٍ سوى النجاة من السقوط.. هذا بالنسبة للأهلي.. أمَّا الشباب، فكانت تحصيلَ حاصلٍ في سجلات الأرقام، بينما في حقيقتها التاريخية، هي فرصةٌ، لن تتكرَّر، ليردَّ ديون الخماسية الجارحة.. وبالفعل، نجح «الليوث» في الصمود، وإنهاء المواجهة الملتهبة سلبيةً، وهذا وحده كان كفيلًا بإزاحة الأهلي عن جدول مباريات الكبار في الموسم التالي.. وجوهٌ تذرفُ الدموع في المدرَّجات.. أجواءٌ صادمةٌ داخل الملعب.. اللاعبون يتسمَّرون في مكانهم.. الصدمة تغزو كل الوجوه الأهلاوية، فيما غادر الشبابيون الملعب بهدوءٍ وبلا وداعٍ.. هبط الأهلي، وكأنَّ تلك النقطة، وتلك المباراة السلبية ما هي سوى ردٍّ قاتلٍ على الهزيمة القاسية، لتكون ذكرى الهبوط، هي الأكثر إشعاعًا في عوارض الذكريات بين أي تحدٍّ يجمع الفريقين..!