أحمد الحامد⁩
كلام ويكند
2025-11-14
ـ عندما كنَّا مجموعة من الشباب نعيش معًا، كان أحدنا مولعًا بمشاهدة الوثائقيات على جهاز الفيديو، وقراءة الكتب الفلسفية والتاريخية، كان في الثلاثين من عمره، وكنَّا في أول العشرين، شكلت مطالعاته عقلًا غزيرًا بالمعلومات، لكنه كان يجبرنا على مناقشة ما يقرأه، وعلى الاستماع لمعلومات الوثائقيات، ما أن يشاهدنا جالسين نستمع لأغنية، أو نشاهد فيلمًا، أو نتحدث في شيء، يدخل ويقطع حديثنا ملقيًا بسؤال فلسفي أو موضوع جدلي، أو يبدأ بشرح فائدة النحل على حياتنا على سبيل المثال، وقد تكون المناقشات جيدة إذا لم تستمر وقتًا طويلًا، لكنه كان يعشقها فيطيلها علينا حتى نمل، ونشعر بثقل الوقت والمكان.
بعد مدة بدأنا بالتهرب باختلاق الأعذار، والذهاب مبكرًا للنوم، أو الخروج للبقالة دون حاجة حقيقية للشراء. تفرقنا بعد حوالي عام، ذهب كل منا إلى شأنه، وبقي هو في ذاكرتنا شخصًا محترمًا، لكن محاصراته لنا بقيت واحدة من ذكريات الشقة. اليوم وأنا في هذا العمر أرى أننا لم نعرف قيمته الحقيقية، وفوَّتنا فرصة حقيقية لوعي مبكر، لأن ما كان يطرحه بدأت أنا في التفكير فيه وأنا في الأربعينيات من العمر، وأتذكر أنه طرح أسئلة كانت جدًّا مهمة لو أننا أعطيناها اهتمامًا ومساحة في تفكيرنا، لأنها كانت ستغيّر في حياتنا للأفضل. كنَّا محدودي التفكير، وما يشغلنا لا يزيد عن رغبات وأفكار المراهقين. في ذلك الوقت اعتقدنا بأننا تورطنا فيه، والواقع هو من تورط بالسكن معنا!
ـ بوكوفسكي يقول «لن تحصل على حريتك إلا حين تستقل ماديًّا، وما عدا ذلك كلها فلسفة وأفكار خيالية»، المقولة وافقت قناعتي تمامًا، لذلك حفظتها سريعًا، فإذا ما راجع الإنسان حياته، فسيجد أنه موثق بطرق مختلفة إن لم يكن مستقل ماليًّا، أسير العمل المتواصل لكي تسد التزاماتك الشهرية، وتخشى أن تفقد عملك لأنك حينها ستتورط بمسؤولياتك! أسمع الكثير من مطوري الذات وهم يقولون إنَّ الإنسان حر في خياراته، صحيح، هو حر في اختيار الخير أو الشر، لكنه ليس حرًا في اختيار أسلوب حياته، وليس حرًا في اختيار العمل الذي يحبه، ولا في قضاء الوقت فيما يفضل، كل هذه الأمور يستطيعها المستقل ماديًّا، عدا ذلك فلسفة وأفكار خيالية كما قال بوكوفسكي.