محرز.. كنترول خارج الملعب صنع نجم المقاتلين التاريخي
لا تنفصل مسارات هذه الدنيا بعضها عن بعض.. طرائق متصلة مثل عقائد سلاسل طويلة، تتماسك لتثبت أن القيود ذاتها دليل حي على معاني الانطلاق نحو الحياة.. وكرة القدم هي أيضًا واحدة من تلك المسارات الممتدة، وتلك الطرق التي لا تعرف الانقطاع.. ما يفعله اللاعبون فوق أعشاب المستطيلات الخضراء، ما هو إلا انعكاس الضوء الساطع على تفاصيل ما يعيشونه في تراتيل أيامهم ولياليهم تحت سماء الكون الفسيح..
هذا ما يصلح أن يُقال عن بشريين كُثر في هذا العالم، من بينهم رياض محرز، الاسم الجزائري الأبرز في تاريخ اللعبة والذي يدافع منذ عامين مترادفين عن ألوان أهلي جدة بعد وصوله إلى عروس البحر الأحمر بصفقة يمكن وبسهولة وصفها بالاستثنائية..
رياض محرز المولود من أم مغربية تدعى حليمة، ورجل جزائري اسمه أحمد من أبناء ولاية تلمسان الواقعة شمال غرب الجزائر.. سعى والد رياض محرز ليكون لاعبًا كرويًا، لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، فصاحبه الإخفاق والحظ العاثر، وبقي مجرد فني صيانة أجهزة إلكترونية حتى وافته المنية بسكتة قلبية في مدينة سارسيل الفرنسية القريبة من العاصمة باريس.. كان أحمد محرز يعيش هناك ويعمل هناك مثل آلاف من أبناء المغرب العربي الذين يتواءمون مع المعيشة في بلاد النور والعطور، نتيجة الاستعمار واللغة والجغرافيا والهجرة المبكرة.. حينما توقف قلب أحمد محرز عن النبض كان ابنه النحيل رياض حينها لم يبلغ الخامسة عشرة من الأعوام على أرض الله الواسعة.. صبيًا صغيرًا يواجه صعوبات تنتظر كل من يفقد والده، ويدخل في زمرة الأيتام.. بات مؤهلًا رسميًا لتعصف به الريح.. مجتمع غريب، وظروف قاسية، ولا سند أو قريب يتوكأ عليه أمام غلاظة الأوقات الجارحة.. لكن رياض الذي سيشتهر فيما بعد، كواحد من أفضل مروضي الكرات القادمة من المسافات البعيدة، سيسيطر على كل ما حوله، وسيصنع «كنترول» يحميه في حياته كلها من تقلبات الدهر.. وهذا ما حدث بالفعل..!
تمشي به الأقدار عجلى نحو الدوري الإنجليزي ليقود ليستر ستي في العام 2016 لتحقيق المعجزة، وانتزاع الدوري الذي يذهب عادة إلى أندية الشهرة والقوة والجماهيرية والثراء أمثال مانشستر يونايتد وليفربول وتشيلسي وأرسنال، لولا أن ليستر صدم العالم كله متوجًا باللقب الأصعب في عوالم اللعبة الحيوية الشعبوية، وكان فارسه المقاتل العربي ابن الجزائر رياض بن أحمد محرز، الذي قال عنه مدرب الفريق الخبير الإيطالي كلاوديو رانييري بأنه لاعب لا يقدر بثمن..
تنهال العروض على محرز، من أندية إيطاليا وفرنسا الكبيرة لكنه يتجاهل كل تلك الإغراءات ويقرر الاستمرار مع ليستر، حتى حان العرض الشهي القادم من مانشستر ستي والذي أعطاه محرز الموافقة، لأنه كان يريد من خلاله تحقيق دوري الأبطال، وهذا ما حدث في العام 2022..
بعدها كان هناك هواء كالنسيم البارد، قادم من الدوري السعودي، وبالتحديد من جدة حيث قطبها الأخضر الكبير.. عرض جاد ومغرٍ، لم يتردد عنده محرز سوى للموافقة وإنهاء مرحلة مانشستر سيتي التي كانت ستمتد حتى 2028.. لكنها الأقدار التي تكتب في السماء.. يأتي محرز مجددًا بشيء كروي مذهل.. منح ليستر سيتي الدوري.. ساهم في أن يكون الأهلي للمرة الأولى بطلًا لأكبر قارات الأرض بالحصول على لقب النخبة العام الماضي. كأنه الرجل الموعود بتحقيق الأحلام البعيدة، تماشيًا من اسم والدته حليمة..
اليوم يبدو محرز الاسم الأهم في بلاده كرويًا.. هو أيضًا في نفس المكانة لدى الأهلاويين.. يواجه في جدة أصدقاءه وزملاءه لاعبي الأهلي في مباراة تجريبية دولية تجمع الأخضرين.. الصقور السعودية، ومقاتلو الصحراء الجزائريون الذين يصنفون من بين أقوى منتخبات العرب في القارتين الإفريقية والآسيوية.. كلاهما عبر إلى المونديال القادم.. سيواجه محرز تحديًا خاصًا، وهو ما قاله في إعلام بلاده حينما أكد أن ملاقاة أصدقائه في الأهلي ستكون بمثابة الوجبة الكروية الدسمة واللذيذة..