صيام.. موهبة بدأت من القدس.. وبزغت في الدوحة
في أحياء شرق القدس القديمة، حيث تتشابك الشوارع الضيقة مع ذكريات الجدران الحجرية، ولد تامر محمد صبحي صيام، لاعب منتحب فلسطين الأول لكرة القدم، في الخامس والعشرين من نوفمبر عام 1992، يحمل في عروقه دماء أرض تئن تحت وطأة الاحتلال، وفي عينيه انعكاس أفق يقاوم التلاشي، نشأ الفتى يركض خلف كرة جلدية بالية بين أزقة تفتقر إلى الملاعب الواسعة، يشارك أصدقاءه القلائل في تلك الألعاب البسيطة التي تحول الجدران إلى أهداف.
والتراب إلى حقول خضراء وهمية، كان يتدرب في ملعب حواري صغير يعتمد على إصرار الشباب أكثر من الإمكانات، يتعلم التمرير تحت أضواء خافتة، ويصغي إلى قصص الأجيال السابقة عن مباريات لم تُلعب بسبب الحواجز، في تلك الأعوام الأولى، رسم مسيرته خطوة بخطوة، ينتقل من فريق الشباب إلى صفوف الرجال في ثقافي طولكرم عام 2012، يسجل هدفين في 17 مباراة خلال موسم الدوري الغربي، يشعر بوزن الكرة يزداد مع كل تمريرة، ثم يلتحق بهلال القدس، الفريق الذي يصبح منزله الثاني، يسهم في الفوز بالدوري الغربي لكرة القدم، وكأس الضفة، وسوبر الضفة في موسم 2017-2018، يلعب كجناح أيمن يعتمد على سرعته الخاطفة، يمرر الكرات العرضية بدقة، يسجل الأهداف في لحظات الضغط، ينتقل بعد ذلك إلى شباب الخليل، يستمر في تسجيل الإنجازات المحلية، ثم يغادر الحدود إلى نادي الشمال في قطر عام 2025، يصبح جزءًا من الدوري النجمي، يلعب 12 مباراة، يسجل هدفًا واحدًا، يتعلم من الإيقاع السريع للفرق الخليجية، يتكيف مع الروتين الجديد، يعود إلى فلسطين لفترات قصيرة، يشارك في تدريبات المنتخب، يحمل في حقيبته لا ذكريات الملاعب بل صور الأسرة في القدس، في إحدى المقابلات الصحافية مع جريدة المنتخب، يروي كيف كانت البدايات في الضفة تشبه السباق ضد الزمن، «كنا نلعب في أرض جافة، نركض لساعات دون توقف، الحواجز تجعل كل مباراة رحلة، لكن الكرة تجمعنا دائمًا»، يضيف في حوار تلفزيوني مع قناة «الجزيرة »، «الانتقال إلى قطر كان خطوة للأمام، لكن قلبي يبقى هنا، في كل هدف أسجله، أفكر في الشباب الذين يركضون خلف كرة في الشوارع»، يتحدث عن التحديات اليومية، التنقلات الطويلة، الإصابات المتكررة، لكنه يؤكد أن الدافع الأكبر هو تمثيل أرض لا تملك ملاعبها الكاملة، في مقابلة أخرى مع موقع فيل جول، يصف يومياته في الشمال، «التدريبات هناك صارمة، اللاعبون من ثقافات مختلفة، تعلمت التركيز على التكتيك، لكن الشغف نفسه، الرغبة في الفوز للأهل»، يتذكر في حوار مع راديو فلسطين، كيف كان أول هدف دولي له في 2013 يشبه حلمًا، «كنت ألعب ضد فريق آسيوي، الجمهور يهتف باسم فلسطين، شعرت أنني أحمل الجميع على كتفي»، ثم ينتقل السرد إلى المنتخب الوطني، حيث يبدأ رحلته الدولية في 2013، يرتدي قميص «الفدائي»، يلعب أكثر من 50 مباراة، يسجل 12 هدفًا، يصبح قائدًا في 2024، يقود الفريق في كأس آسيا، يسجل الهدف التاريخي الثاني لفلسطين في البطولة ضد إيران في 14 يناير 2024، رأسية قوية في الدقيقة 57، تُقلص الفارق، تُنعش آمال الفريق، يصفها في تصريح بعد المباراة، «كانت لحظة لن أنساها، الملعب يهتز، الشعب يشاهدها من بعيد، الهدف ليس مجرد رقم، بل رسالة»، في تصفيات كأس العالم 2025، يسجل هدفًا حاسمًا ضد الكويت في الدقيقة 32، تسديدة يسرى من وسط الصندوق، تفتتح الثغرة في مرمى الخصم، يتبعها هدف آخر من وسام أبو علي، يؤدي إلى فوز 2-0، يعزز حظوظ «الفدائي» في التصفيات، يروي في مقابلة مع «بي إن سبورتس»، «كنا نلعب في ظروف قاسية، الإعداد يتأثر بالواقع، لكن اللاعبين يجتمعون كعائلة، كل تمريرة تحمل أملًا»، يشارك في كأس العرب 2021، يسجل رأسية في مباراة الأردن، يقلص الفارق، يُنعش الآمال، وفي نسخة 2025، يتأهل المنتخب إلى ربع النهائي بفوزه على السودان، يلعب إلى جانب زملائه، يُسهم في الدفاع والهجوم، يتحدث بعد التأهل في لقاء مع قنوات الكأس، «التأهل خطوة، الفريق يعرف معنى القتال، الشعب يدفعنا للأمام، سنستمر»، في حوار مع الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، يقول عن المنتخب، «هنا نلعب لشيء أكبر من الكرة، لأرض تُحاصر، لأحلام تُكبل، كل هدف يحرر جزءًا من الروح»، يستمر في اللعب، يعود إلى الشمال، يجمع بين الالتزامات، يحمل في كل خطوة قصة بدأت في أزقة القدس، تمر عبر ملاعب الضفة، تصل إلى الملاعب الدولية، تظل مرتبطة بتلك الكرة البالية التي حملت أحلامه الأولى.