عندما ركبت مع الشاب في سيارته شاهدته يتحدث مع ساعته أمرها وباللغة الإنجليزية الاتصال بفلان فاتصلت، كان صوت فلان يخرج من نفس الساعة، ثم أمرها بعد دقائق ببث برنامج بودكاست بالإنجليزي عبر سماعات السيارة، أراد تعريفي ببرنامجه المفضل، ثم سأل ساعته عن أقرب مقهى يعد مشروب «الماتشا»، كانت تلك المرة الأولى التي أسمع فيها بـ «الماتشا»، سألته عن مكوناتها فسأل ساعته! أثناء الحديث فهمت أنه متابع لسباقات الفورمولا، وسافر لعدة دول لمشاهدتها على المضمار، أما قراءاته فهي لكتّاب أجانب وباللغة الأجنبية. استقبل أكثر من الاتصال من أصدقائه، وتحدث معهم بكلمات معظمها إنجليزية. عندما انتهت الرحلة وعدت إلى البيت لمست الفارق بيني وبين شاب عشريني لم تكن قبل 40 عامًا مثل هذه المسافة بين من كانوا في العشرينيات والخمسينيات، كانت الفوارق بالتجارب فقط، وفي أشياء بسيطة تتلاشى مع الزمن، كانا يشربان نفس المشروبات، ويتعلمان في نفس المدارس، ويتحدثان لغة واحدة لا تدخلها كلمات أجنبية في كل جملة. أتذكر عندما أدخلت أولادي مدارس أجنبية، أو ما تسمى «أنترناشيونال» تفاجأت بعد سنوات أن لغتهم العربية كانت ضعيفة، ولغتهم الإنجليزية قوية، والظاهر أن أهالي الطلاب كان همهم الأول أن يجيد أولادهم اللغة الإنجليزية. لم تكن تلك المدارس تعلم الطلاب التحدث بالإنجليزية بطلاقة فقط، ما لم نحسب حسابه أنهم كانوا يتعلمون ثقافة أخرى على حساب ثقافتهم. انتشرت اللغة الإنجليزية على لسان بعض الشباب بينما لا يعرفون عن لغتنا ما يعرفونه بالإنجليزية، يقرؤون الروايات وسِير الشخصيات الأجنبية في الوقت الذي يعرفون القليل عن أدبائهم. يعرفون المغنيين الأجانب ويجهلون أسماء مغنيين شعبيين عاشوا ويعيشون في نفس مدينتهم. من الطبيعي أن تتغير الحياة، وتتطور الصناعات والتكنولوجيا، لكن غير الطبيعي أن يكون التغيير على حساب ثقافتنا وبيئتنا، لصالح ثقافات وبيئات لا تشبهنا.