عبده عطيف - الديربي
الديربي لا يخضع لمقاييس فنية؛ جملة فضفاضة جداً ولا تعكس الواقع أبداً إلا في حالات نادرة عندما تكون المقاييس الفنية فيه متقاربة، ومع ذلك تجد غالباً الأجهز فنياً هو من ينتصر، طبعاً هي قناعة مسبقة بالنسبة لي تدعمها الشواهد على أرض الملعب، ومنه يبدأ الحديث وإليه ينتهي كروياً.
المباراة الأخيرة بين الهلال والنصر كانت فنية بحتة، وإن كانت الفوارق نقطياً شاسعة، إلا أنها مباراة تشبعت بالتفاصيل الكروية البحتة.
من المنتصر في المباراة نبدأ: دونيس لم يفاجئ خصمه بالرسم التكتيكي فقط حين تخلى عن الثلاثة في الخلف؛ بل باغت خصمه في أبرز نقاط ضعفه، حين بدأ بالضغط العالي في ملعب النصر، ومن هنا بدأت أول مشاكل لاعبي النصر في المباراة، حيث اهتزت ثقتهم فنياً على القدرة بالخروج من ملعبهم بكرة نظيفة دون أخطاء.
ذلك الضغط العالي مع التركيز المتقن الذي يشابه تركيز مباراة نهائي كأس ولي العهد أثمر عن أخطاء متكررة في دفاع النصر، صاحبها هدف أول للهلال يسبقه استحواذ إيجابي في ملعب النصر وبعيد كل البعد عن مرمى خالد شراحيلي.
أدوات الضغط التي استخدمها دونيس كانت تكمن في خط المنتصف وظهيري الجنب، كانوا عبارة عن كتلة واحدة، كل لاعب منهم يتنفس برئة الآخر وتحديداً سلمان وعطيف.
انتهى الشوط الأول وبدأ دونيس في شوطه الثاني بخطأ في التغيير من وجهة نظري بناء على شكل الفريق الهلالي في مجريات الشوط الثاني.
خروج عطيف ودخول سعود أفقد الهلال أهم مميزاته الشوط الأول وهو الابتعاد عن مرمى الفريق، وكذلك الضغط العالي في ملعب النصر وتقارب الخطوط سهولة تناقل الكرة بين لاعبيه .. سعود يمتاز بالنواحي الدفاعية ولكن لم يكن يحتاج الهلال للدفاع لأن التراجع يعني فرصة النصر للهجوم وهذا ما حدث.
في النصر بدأ كانيدا على غير العادة في مباريات الديربي كذلك حيث لعب بمحورين وثلاثة لاعبين خلف مايجا، والمشكلة لم تكن في الطريقة، بل في عطاء خط الوسط بالكامل الذي كان غائباً عن صنع الفرق تماماً وإيجاد الحلول والتحركات والاحتفاظ بالكرة لتخفيف الضغط على الخطوط الخلفية في النصر، ولكن ما شاهدته عكس ذلك تماما من إضاعة الكرة بسهولة وفقدانها بسرعة وتمرير خاطئ بشكل كبير ومتتالٍ وغياب الجماعية بينهم .. ولا يلام كانيدا لو قام بتغييرهم جميعاً.
معضلة النصر وليس كانيدا وحده هي عدم قدرة الفريق على الخروج من عنق زجاجة الفريق الذي يلعب في ملعبه بإتقان .. يفقد الفريق تماسكه ثم تنعزل خطوطه عن بعضها البعض ويخسر ثقته أثناء المباراة قبل خسارة النتيجة.
في التفاصيل الفنية للديربي الأخير أشياء كان يمكن أن تعود بالنصر خصوصاً في الشوط الثاني بعد تغيير دونيس، وتغيير كانيدا بدخول السهلاوي، وفرصتي أدريان ومايجا .. وهذه جزيئات كانت كفيلة بتغيير النتيجة والمعادلة وبالتالي تغلب الجانب النفسي والتحمل الذهني للاعبين على الجانب الفني فنشاهد مباراة مختلفة تماما عن الشوط الأول، لأن لاعبي الهلال سيبدأ لديهم الخوف من ارتكاب الأخطاء وبالتالي فقدان الثقة والشخصية والمسؤولية التي كانوا عليها.
وكما انتقدنا دونيس في التغيير الأول كان لابد من الثناء عليه في تغييره الثاني وهو ما صرح به المدرب نفسه بعد المباراة .. دخول الزوري وخروج الشمراني أعاد الفريق إلى التوازن والاستحواذ والسيطرة وتحرر الأظهرة بشكل أكبر وخلق فرص أخطر .. وبالفعل هذا ما حصل.
عوداً على ذي بدء، قد يخدمك الحظ وقد تتدخل المقاييس غير الفنية في مباريات الديربي ولكن ستجد أن كل تلك العوامل خدمت الفريق الأفضل على مدار الموسم ككل (على الغالب)، بدليل الموسم الماضي حين انتصر النصر على الهلال والموسم الذي قبله حين انتصر ذهاباً وفاز الهلال إياباً .. انتهى الموسم والنصر أولاً والهلال ثانياً وكانت نتيجتهما منطقية لتقارب المستويات.
في النهاية:
كانت مباراة تلخص حال الفريقين، فالهلال فيها كان صاحب الشخصية الفنية الحاضرة .. والنصر كان تائهاً ينتظر هفوة خصمه كي يستغلها لأنه لم يكن حاضراً بجميع جوارحه الكروية .. وآخر عشرين دقيقة تلخص حال الفريقين تماماً.