دلال الدوسري ـ الإنكار لا يفيد
لا أسوأ من التعامل مع مشكلةٍ ما أكثر من إنكارنا لوجودها، فتتفاقم وتصبح سيفاً يشهر في وجوهنا كل حين، حتى تأتي اللحظة التي نقرر فيها معالجتها بطريقة مسؤولة مرة واحدة وللأبد. وسأتناول هنا تجربة في ذات الإطار للجنة العليا للمشاريع والإرث ـ وهي اللجنة المحلية المنظمة لبطولة كأس العالم لكرة القدم ٢٠٢٢ ـ في التعاطي مع حقوق العمالة التي تعمل على إنشاء الملاعب الرياضية، حيث خرجت صحيفة الجارديان البريطانية عام 2011م بإحصائية ـ قد تكون صحيحة ـ لوفاة أكثر من 600 عامل من الجنسيتين النيبالية والهندية بمعدل عامل واحد يومياً جراء ما وصفته بظروف العمل الظالمة، وقانون الكفالة كأحد أشكال السخرة والعبودية.
وفي أول رد فعل للجنة، تم إنكار حدوث المشكلة واتخذت الصحف المحلية نهجاً مماثلاً لمدة تقارب العام، وهو ما لم يُنهِ سيل التقارير الإعلامية الأجنبية التي سعت لتأكيد المعلومات بل واستقصاء المزيد منها ليؤثر بدوره على سمعة الدولة. حتى "قررت" اللجنة الاستعانة بعدد من خبراء إدارة الأزمات خلصوا إلى تكوين إدارة تبدأ بمعالجة المشكلات الحالية والمتوقع حدوثها استباقياً مع جميع الأطراف ذات العلاقة. وعليه، وضعت اللجنة معايير تشريعية بشأن معايير رعاية العمال وسلامتهم في كافة العقود الخاصة بالمونديال، ونظّمت ورش عمل مع الحكومة و"فيفا" والمقاولين والمنظمات غير الحكومية لإضافة معايير منقّحة في كل عام، وبالتعاون مع الجهات المختلفة تم استحداث إدارة لحقوق الإنسان بوزارة الداخلية يلجأ لها العامل لحماية حقوقه، وإقرار نظام حماية الرواتب الذي يلزم الشركات بدفع الرواتب من خلال تحويلات مصرفية إلكترونية رأس كل شهر، وقانون تجريم احتفاظ الشركات بجوازات سفر العمال، فضلاً عن إلغاء نظام الكفالة، وخلال3 أعوام تم بناء مدينة عمالية على مساحة مليوني ومئة ألف متر مربع تستوعب مئة ألف عامل، تضم ملعباً للكريكيت هو الأكبر في قطر ومسرحاً ومنطقة تجارية وسكنية وسينما وجامعاً ومركزاً طبياً، وعينتّ اللجنة إحدى الشركات المتخصصة كمراقب خارجي مستقل للقيام بعملية التفتيش والمراجعة على كافة ما سبق. ومازال العمل متواصلاً حتى يوم الأحد الماضي عبر مؤتمر رعاية العمال الأول وجوائز لأفضل مبادرة وشركة وجالية في برامج رعاية العمال ليوفر المناخ الأمثل لكل عامل على أرض قطر متخطياً أثره عمال القطاع الرياضي.
هذا النهج المسؤول أوصل إلى 3.7 مليون ساعة عمل آمنة دون حوادث كبرى في ملعب خليفة الدولي، ومكّن مليون و300 ألف عامل من إرسال عائدات مالية إلى أسرهم تترواح بقيمة 14 مليار دولار خلال الخمسة أعوام الماضية، لتفخر قطر اليوم بمعايير رعايتها للعمال بعد أن كانت تُتهم بالأمس القريب بانتهاكها.
تناول هذه التجربة يوضح أن عمل المسؤولية الاجتماعية عبر الرياضة ليس بالسهل، وأننا متى ما وظّفناه بالشكل الاحترافي نستطيع الوصول للتأثير إيجاباً لأبعد من القطاع الرياضي. وأختتم مقالي بسؤال .. كم من الانتقادات التي توجّه ضد الرياضة في المملكة نستطيع تحويلها لعوامل قوة بعد الكفّ عن إنكارها؟.