2010-06-25 | 18:00 مقالات

هل كان علينا أن نحقق كأس العالم؟!

مشاركة الخبر      

لا أحد يريد أن يستخلص حقيقة كرة القدم حتى وهي تتجلى بكامل هيئتها في مونديال 2010م ولربما الأمر يعود لأن سر قيمة كرة القدم في ذلك!
لدينا الآن فرصة أكثر من ذي قبل للقول أن الإيحاء بأن صناعة فريق كروي متطور عملية صعبة ومعقدة لا يختلف عن القول بأنه أمر سهل وفي متناول اليد فالأمران كلاهما غير صحيح وما بينهما ممكن لكن ليس متاحا دائماً بل يحتاج إلى عمل وقبل ذلك إلى رؤية واضحة تتبعها خطط وآليات ثم أدوات وكوادر لتنفذ وبيئة اجتماعية صالحة لاحتضان مثل هذا العمل أو غيره..
دعونا أولاً نعيد إلى الأذهان بعض الطروحات التي لا نقول إن ما جرى ويجري في مونديال 2010م أسقطها أو سيسقطها ولكن على الأقل بأنه لم يسلم بها وأثار حولها شكوكا ولنأخذ مثلاً محاولة ربط قياس تطور كرة القدم في بلد ما أو فريق ما بما يحققه من نتائج ليس كمؤشر صعود أو هبوط نسبي بل وحيد وهو ما يتم فعله مع نتائج كرة القدم السعودية (مثلاً) مؤشر قياس مشاركاتنا في المونديال بدءاً من 94 المرتفع ثم تراجعه في 98 وتهاويه 2002 وتأرجحه في 2006 على قاعدة أنه كان يجب أن يأخذ مما حققه في 94 نقطة انطلاق إلى أعلى في المرات التي تلته.. هذا الطرح لم يكن دائماً من باب اجتهادات بعض المراقبين أو النقاد والمختصين لكنه أخذ يتنامى كشعور إلى أن وصل إلى ما يشبه الحقيقة المسلم بها من كل الجهات الشعبية والرسمية وعلى ضعف هذا الطرح وعدم استناده إلى منطق الأشياء إلا أنه يمكن الأخذ به كمدخل إلى إصلاح أمور كثيرة يمكن لها في آخر المطاف أن تتسبب في خلق بيئة كروية سليمة هي في حقيقة الأمر أكثر ما يمكن أن تحصل عليه كرة القدم السعودية ونظيراتها ممن يشاركونها التاريخ والجغرافيا والحالة الاجتماعية بثوابتها ومتغيراتها..
لقد كان لعدم تأهلنا إلى المونديال 2010 ما يشبه الحجر الذي رمي في بركة الماء الراكدة وتعدت دوائره أوساط الرياضة إلى أوساط اجتماعية أخرى كان أكثرها صدعاً بما يعتقد أنه كان نتيجة فشل في ما يمكن فعله من أجل التأهل على لسان أعضاء لمجلس الشورى وهو أمر يتفق الجميع على أنه واحد من واجبات عمل أعضاء المجلس وإذا ما كان من اعتراض فهو على نوعية ما تم طرحه وتلك مسألة تدخل أيضاً في صواب الرأي ودقة المعلومة وهي حق مشروع لكافة الأطراف، فليس كل ما يطرح من ملاحظات بالضرورة صحيح ولا كل المقترحات والحلول يمكن لها أن تحل مشكلة أو تصوب خطأ وقبل أن أعود إلى خطأ القياس في لعبة كرة القدم إذا ما تم الاعتماد عليه بالقدر الذي يمكن أخذه كمؤشر أو حد تبنى عليه قرارات التصحيح ؛ أسأل الآن ألم يكن مجرد التأهل في المرات الأربع كان كافياً كقيمة اعتبارية دون النظر إلى نتائج المشاركة كأمر أكثر أهمية من الوصول نفسه؟ أم كان يجب على المنتخب الذي وصل إلى الدور الثاني في أولى مشاركاته أن يحقق كأس العالم في مشاركته الرابعة عملاً بنظرية التطور بحسب منطق المنظرين؟ وهل عدم تأهلنا ما لم نتأهل إلى ما هو أبعد من الدور الثاني (أبرك) كما صرح البعض وإن كان لم يقل لنا كيف ولماذا؟
لا أقول ذلك من باب السخرية من فكرة التطور التي تصدى لها الكل من خلال وسائل الإعلام وقاعات الاجتماعات والمؤتمرات والمجالس ولا أهدف إلى منع أو المطالبة بمنع أحد من أن يفكر حتى والأمر يصل إلى خلط الأوراق ومعها الأسماء أصبح من عمل صالحاً كمن لم يعمل بل وتم استلال البعض من عجينه ما سمي بالنكسات كالشعرة ورمي بكرة النار صوب جهة واحدة لا غير ولكن أقول ذلك من باب أن فتح الأذن الواحدة للسماع أمر جيد إلا أن الأجود منه وفي مثل هذه الحالات أن تفتح الأذن الأخرى ليخرج منها كل ما سمعته!
منتخب فرنسا يحقق كأس العالم 98 ويخرج من الدور الأول 2002 ويلعب على نهائي 2006 ويخرج من الدور الأول 2010 إيطاليا بطل 2006 يخرج من الدور الأول 2010 المصاعب التي واجهتها ألمانيا والظهور اللافت لسلوفاكيا وكوريا الجنوبية خيبة الأمل لإسبانيا والكاميرون وحقيقة الجزائر وساحل العاج وتموضع الولايات المتحدة والمكسيك في خارطة كرة القدم وتداعيات ذلك كله على المدربين واللاعبين والإعلام وجماهير هذه المنتخبات صمود كوريا الشمالية أمام البرازيل وانهيارها أمام البرتغال صيام بعض النجوم عن التهديف وسقوط بعض الحراس والحكام في أخطاء غيرت مما يمكن أن تكون عليه نتائج بعض المباريات مثل ذلك وما سيصل إليه الحال من دور آخر وحتى نهاية المونديال كيف يمكن تحليله وإسقاطه على واقعنا ثم مقارنته لمعرفة كيف تعاملنا في ظروف مشابهة وما الذي علينا أن نفعله في المقبل من المناسبات والأحداث وكيف أن تداعياتها ربما تخلق الأزمة أكثر كما هي المعالجات التي تتسبب في المضاعفات لسوء التشخيص الناجم عن سوء المشخصين؟! إن الأهم من التأهل للمونديال إيجاد بيئة كروية سليمة فالقصد من الرياضة التنافسية استثمار المواهب والطاقات في إحياء نشاط جاذب يشعل جذوة الحماس داخل الجماهير ويرضي رغباتهم الشغوفة للمتعة ويدر عوائد مالية تكفل له الاستمرار والتطور، وعادة عمل كهذا يمكن له أن ينتج منتخبات وأندية يمكن لها أن تنافس وتتحكم في نتائجها الدائمة وليس الاستثنائية نوعية المنافسات وطبيعة الفرق التي تواجهها يتم التهيؤ لها بأحسن الخطط وفق واقع اجتماعي واقتصادي فيحقق النجاح مرة والفشل مرة دون أن يكون لذلك تأثيره الذي يزلزل أسس أو استراتيجيات تمثل الواقع الفعلي وليس واقع التمني.. إذاً نحن ملزمون بإعادة قراءة واقعنا الكروي من خلال فهم صحيح لماهية لعبة كرة القدم، هذا أولاً ثانياً التأكد من أننا نقصد لعبة كرة القدم التنافسية، ثالثاً التجرد من الرغبات الخاصة، رابعاً الثقة بأن الاستشهاد
في لعبة كرة القدم للتأكيد على حقيقة يقابله آخر ينقضها، خامساً الصدق في تحليل الوضع وهذا لا يتأتى إلا باتباع منهج واضح ومحدد سادساً وسابعاً وإلى مالا نهاية فهم طبيعة المنتقدين وظروفهم وفي أي صف يقفون وعن ماذا يبحثون وإذا ما كان هناك ما يمكن الاستفادة من شيء مما قالوه فلا بأس من اعتباره إذا ما كانوا من الموثوقين اجتهاداً غير ذي قيمة فمن حق الجميع أن ينتقدوا ويقولوا ما يرونه صحيحاً حتى وإن كان غير ذلك دون إلزام الطرف الآخر بتطبيق هذه الأفكار أو حتى الاقتراب منها.
لعل في ما انتهى إليه الدور التمهيدي للمونديال 2010م فرصة سانحة لمراجعة أيضاً ما كان يعتقد أنه مما لا يجوز.. نظرة إلى ما قالته الصحف عن منتخبات ولاعبي ومدربي بلدانها كيف عالجوا ما اعتبروه فشلاً أو سقوط وما يدخل في إطار الابتهاج عقب النتائج الإيجابية.. هل وجدتم تطابقاً بيننا وبينهم في الوصف والتقريع والتجاوز في الشتم والتشنيع وكيف كانت حدود الاهتمام بالمنتخبات من جانب حكومات كل بلد بدءاً بإركابهم وانتهاء بما رصد لهم من حوافز مالية أين كان الساسة خلال المباريات ولماذا تقاطر بعض من مثقفينا وكبار كتابنا وفنانينا على الصفحات الرياضية والبرامج الرياضية التلفزيونية ليقولوا أنهم يعشقون كرة القدم وأنها فعل حضاري وكيف أن كوريا الجنوبية كانت 1954 قد تلقت خسارة مؤلمة من المجر (0 ـ 9) دون أن تكون هذه الخسارة من أدبيات إعلامها وجماهيرها يدندن حولها المناكفون ودون أن تجعل منهم من لا يتمنى التأهل مرة أخرى حتى لا يتكرر المشهد كل هذه الموضوعات وربما غيرها في موضوع لاحق بإذن الله.
* رئيس التحرير