الرأي لا تصنعه الفهلوة
ليس لأن جورج برنارد شو قال إن نصف المعرفة أكثر خطورة من الجهل ولكن لأن أكثر من يترك له الحكم على الأمور هم على هذا النحو ومن ذلك وجب أخذ الحيطة. الصحفيون الذين تتاح لهم فرصة التحدث والتعبير يتجاوزون دورهم كصحفيين بالتوصيف المعروف جمع ونشر المعلومات عن الأحداث الراهنة والاتجاهات وقضايا الناس من خلال إعداد الريبورتاجات والتقارير في وسائل الإعلام إلى إبداء الآراء وإصدار الأحكام. وإذا كان من الوارد أن يكون هناك من الصحفيين الذين لهم علم ببعض الشيء فإن الذي لا يمكن أن يكون صحيحاً أنهم يعلمون كل شيء، وكان يجب ألا تغريهم الفرص التي تتيحها لهم بعض الوسائل ليرتكبوا مثل هذه الجنايات بحق كثير من الأمور التي يتصدون لها بنصف معلومة تم التقاطها أو استرق السمع لها من غيره من المتخصصين، فبدلاً من أن تكون مدخلاً له في البحث عن بقية المعرفة فإذا بها سلاحاً يستخدمه في كسب بعض الحوارات حتى مع أهل الاختصاص نفسه. راقبوا كيف أن بعض الصحفيين من يتصدون للرأي يخلطون بين أن يكونوا صحفيين أو نقادا متخصصين كيف أن بعضهم يقلب صفحات اللوائح ليجيب عن الأسئلة وينافح ويحكم في الوقت الذي لو كان الأمر لائحة تقرأ لما كان هناك حاجة للقانونيين والمحامين والمتخصصين في القراءة والتفسير وهكذا، راقبوهم عندما يبدأ الحديث عن خطط إعداد الفرق وكيف أنهم يجرؤون على تقديم خطة تحضير يجب أن ينفذها الفريق ومثلها في الاستثمار والإعلام وإدارة المنشآت والأكاديميات وغير ذلك مما هم ينتقدون عدم وجود متخصصين فيه إذا هم وبرشفة فنجان قهوة ورفعة حاجب يتلون وصاياهم ويملون على الجميع كيف لهم أن يفعلوا أو لا يفعلوا كصحفي يمكن لي أن أصف الأمر أن أطرحه كسؤال أن أكتشف بالوثائق والمستندات أن أستقصي الحقائق أن أحاور أن أعد التقارير أن أكتب الخبر كل الأمور وفي كل الشؤون من خلال مهارات ومعايير لكن لا يمكن أن أبدي الرأي وأقدم الحل وأنتقد من واقع الحكم على الشيء دون أن يكون لي علم به. إن أي أمر في الحياة مهما صغر شأنه إذا أردت أن تعطي فيه رأياً عليك أن تكون على علم ودراية بواقعه وخلفياته والأطراف ذات العلاقة حتى يمكن أن يكون رأيك أقرب للصواب، فما بالك فيما هو علم متخصص يدرسه الآلاف ولا يبرز فيه سوى العشرات؟.