اتركوا الميداليات وتعلموا أشياء أخرى
هناك من قدر له متابعة منافسات الأولمبياد لعدة مرات أو أكثر من مرة سواء من الملاعب والاستادات والقاعات أو عبر متابعته لتغطياتها التلفزيونية المباشرة، وكل هؤلاء لابد أن انطباعا مختلفا استقر في وجدانهم حول الرياضة والرياضيين يختلف كلية عن ذلك الانطباع الذي رسمه واقع منافسات كرة القدم سواء المحلية أو حتى العالمية، وبالتالي فإن هذا الحدث الزلزال لابد أن يكون له ارتدادات داخل النفس لعدة أشهر ثم يخمد إلى حين تحضيرات الأولمبياد الذي يليه. وخلال تلك الفترة الأطول يعودون لاحتضان نجوم اللعبة الشعبية الأولى (كرة القدم) فيغدق عليهم الثناء والعطاء ولا يرى أن غيرهم يستحق الاهتمام إلى أن تعود الفترة الزمنية القصيرة التي تسبق الأولمبياد أو خلاله ليعود يذكر أهميتها ويذكر بها ويشتكي من الظلم الذي وقع على لاعبي القوى والفروسية والألعاب المختلفة والألعاب الفردية وضرورة الاهتمام والدعم والتخطيط وهكذا تدور عجلة السنين بهذه الثنائية المعطلة. من جانبي لا أعترض على الاهتمام أو عدم الاهتمام، فالأمران مرتبطان بمن عليه مسؤولية الاهتمام أكثر ممن يفترض فيه أن يهتم، ثم إن الاهتمام وحده لا يصنع التغيير أو يحقق الإنجاز، كما أن عدم الاهتمام لم يكن السبب الفعلي لعدم انتشار بعض الألعاب أو عدم تطورها، ما أعترض عليه وسأظل هو أن يعتقد البعض أن عدم حصولنا – مثلاً – على ميداليات أولمبية إنما هو كان بفعل سوء الإعداد وشح الدعم وعدم وجود التخطيط وذلك لأن الذين يرون ذلك يعتقدون أننا من الممكن أن نشارك في الـ208 ألعاب التي يتنافس عليها المشاركون في أولمبياد لندن 2012م. هناك شح في الفهم جعل الكثير من المهتمين بالرياضة من جماهير وإعلام لا يعطون قيمة لخاصية اللعبة وتاريخها ومدى إمكانية التفوق فيها وتجاهل شبه تام للعوامل التي تصنع بطل اللعبة أو الفريق البطل، البعض يرى أن أي لعبة يتم الإعداد لها يمكن أن تتفوق فيها، وأن أي رياضي تعده لخوض منافسات لعبة من الألعاب من الممكن أن يبرز فيها، هناك من لا يضع للعوامل الاقتصادية والمناخية والاجتماعية والجغرافية وقس على ذلك أدنى اهتمام، من الممكن أن تصنع الولايات المتحدة بقدراتها البشرية والاقتصادية والفنية من التكنولوجية بطلا للماراثون مرة إلا أن أثيوبيا وكينيا ستستمران في السيطرة ولن يكسر ذلك إلا نفس العوامل والخصائص في بلدان مشابهة. إن متعة مشاهدة ومتابعة منافسات الأولمبياد لا تعدلها متعة وإن كان فيها من التنغيص فهو مدى الدقة والانضباط وروح المنافسة عندما تقارنها بواقع مسابقاتنا ومنافساتنا برغم قلتها، إذ لابد أن تشعر بشيء من الألم مع فقدان الأمل بحال مشابهة. لقد دهشت وأنا أتابع الماراثون الذي حصلت عليه المتسابقة الأثيوبية تيكي جيلانا، فعلى مدى أكثر من 30 كلم اخترقت المتسابقات شوارع لندن وسرنا وسط تشجيع وحماس جماهيري على جانبي الطريق لا يمنعهم من اقتحام المسار المخصص للمتسابقات سوى حاجز شكلي ورجل أمن أو منظم رمزي، وتفنن مخرج النقل التلفزيوني في إضفاء المتعة والتشويق برغم أن السباق امتد لأكثر من ساعتين وعشرين دقيقة، أرى أنه يمكن أخذ الكثير من الدروس والعبر فيما يخصنا وينقصنا ولا يمنع أن يكون حالنا فيه أفضل ولنبدأ بالانضباط واحترام النظام وإرساء مبادئ وقيم التنافس أولاً.