أفضل لاعب كرة قلم!
علم اللسانيات يُوجع الرأس، والبنيويّة شائكة وذات دهاليز، ويكاد رولان بارت لا يخطو خطوةً من غيرهما، مع ذلك هو مقروء، وكتاباته محبّبة، وإلى يومنا هذا، مثلي مثل كثيرين، لم أقرأ لأعذب من رولان بارت في مجاله، وأتساءل مثلي مثل كثيرين أيضاً: لماذا؟!، وما الذي ميّز هذا الكاتب عن غيره من الكتّاب؟!، ظنّي لأنه لا يوارِب، رغم شاعريّّة لغته العالية، ينتقي مفرداته بأقصى قدر من الدِّقة، ليكون واضحاً قدر الإمكان، ليس معنا فقط، لكن مع نفسه أيضاً، ويوصل لنا هذا الشك بطمأنينة شفيفة، في واحدة من أكثر التخصصات غموضاً، واقتراباً من الطلسمة، فالبنيوية التي يُعد رولان بارت من ساداتها الكبار، مثل من يصنع فأساً بفأس!، كاتب برتبة عالِم!، لا يُهمِلنا ولا يُوارِب، وحين يستعصي عليه أمر، يقول استعصى!، لكنه لا يتوقّف، يقفز فوق المُعضلة، يحفر الأدب حفراً، ويبني على ساحل الفكر، من رمل الأزمنة والمظاهر والصّيغ والأشخاص، نظرياته وظنونه، بتواضع جم، كريم، ومن مزاياه أنه وبالرغم من دقّة تخصصه، ينجح في تعميم نظرته ورؤيته للجمال، في كتابه "التحليل البنيوي للقصص"، يُدخِل "جيمس بوند" بكامل سينمائيته، في البحث، من منا لم يشاهد سلسلة جيمس بوند أو بعضاً منها؟ هنا تكمن نباهة رولان بارت، وهنا تتجلّى براعته، يلتقي بقارئه عند نقطة اتفاق كبيرة، فتتلاشى صعوبة الطرح، نكاد كقرّاء نشعر أن كاتبنا لا يقول لنا ما لا نعرف، بل يُنبهنا لما لم ننتبه له فيما نعرف تماماً!، يختار رولان بارت مواضيع فارقة، يحبها الناس، لا يفعل ذلك بطريقة تجاريّة، ولا بمُداهنة لسوق التوزيع، لكن لأنه يحب قرّاءه، لا يتعالى عليهم، في علمٍ يبدو من أساسه متعالياً على غير متخصص، كتاب رولان بارت "شذرات من خطاب محب"، نزهة خلّاقة في عوالم الحب، وهي تطبيق عملي عن كل معتقداته في البنيوية، دون ذكر لهذه البنيوية أبداً!، تظن أنك قارئ قصص وروايات جيّد، ربما أنت على صواب، لكنك بعد رولان بارت لن تكون القارئ نفسه أبداً، ستكون أكثر عمقاً، وسوف تشعر بتشويق مضاعَف في كل جميل، ولكل جميل، رولان بارت أحد أفضل لاعبي كرة "القلم" على الإطلاق، والسلام.