هل يفترس الفيديو الحكام؟!
الصراع ما بين الإنسان والتكنولوجيا معركة تاريخية، انقسم فيها البشر إلى جبهتين: طرف يرى أن الآلة تسهل حياة الإنسان، والطرف الآخر يؤمن أن التكنولوجيا سبب في زيادة معدلات البطالة بشغلها وظائف بدلاً عنهم.
أعلن رئيس الاتحاد العربي السعودي لكرة القدم عادل بن محمد عزت، حصول الاتحاد على موافقة المجلس التشريعي الدولي لكرة القدم، بإدراج الاتحاد ضمن الاتحادات التي يمكنها تجربة تقنية "الفيديو المساعد للحكم" للموسم الرياضي المقبل؛ حتى يتمكن الاتحاد من تطبيقها بشكل مباشر على جميع مباريات الموسم ما بعد القادم.
هذا القرار سوف يشهد في الأيام القادمة جدلاً واسعاً في الوسط الرياضي، ما بين مؤيد ومعارض.
الاختلاف على أي تجربة جديدة طبيعة بشرية، قد يلعب الإعلام الدور المؤثر في هذا الصراع من خلال توجيه الوسط الرياضي إلى التأييد أو المعارضة.
الحرب المعلنة الأولى للإعلام على التكنولوجيا، تعود إلى العشرينيات الميلادية في عام 1921م، صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، نشرت رسم كاريكاتير لشخص يحشر إنساناً في مفرمة اللحم ليقطع جسده، وكأن الآلة صنعت لكي تسحق البشر وتحل مكانهم في الأرض، جاءت هذه الرسمة مصاحبة لكتاب عنوانه "هل ستفترس الآلات الإنسان؟".
نفس الصحيفة في تلك الفترة، بدايات الصراع بين الإعلام والتكنولوجيا، علقت الجرس بشأن مستقبل الوظائف بنشر العنوان:
"زحف الآلات يؤدي إلى المزيد من البطالة!!".
"الفيديو المساعد للحكم" يؤمن عادل عزت بأنه:
(مبادرة تأتي في سبيل دعم وتطوير التحكيم السعودي والحد من الأخطاء، لإنهاء حالات الجدل الناتجة عن أخطاء التحكيم تحقيقًا لمبدأ العدالة والنزاهة؛ ما يمكن الاتحاد من الاستغناء عن الحكام الأجانب وتطوير الحكم السعودي).
ليس من السهل أن يتنازل الحكم عن السلطة، لن ينجح هذا المشروع إلا بشرط أن يقتنع الحكم السعودي بأن "الفيديو" شريك له في النجاح وليس عدوه في الملعب.
يجب أن يشعر الحكم بالأمان حتى يدرك أن "التقنية" لن تكون في المستقبل بديلاً عنه بصورة كاملة، لتدار اللعبة إلكترونياً.
هاجس عاشه عمال المصانع في بريطانيا أوائل القرن التاسع عشر، بإثارة الشغب حطموا الآلات في المصانع؛ خشية أن تحل محلهم، هذا التخريب من الإنسان لعدوه التكنولوجيا يعرف تاريخياً بمسمى "شغب اللوديين"، يرمز هذا الشغب إلى رفض الإنسان للتقنية عندما تهدد مصيرهم الوظيفي.
لا أستبعد أن يكون عالمياً وليس في السعودية فقط، أن يقاوم الحكام التقنية ورفضها في البدايات بحجة قتل متعة كرة القدم وتعطيل اللعب بمناصرة الإعلام لهم؛ لأن الأخطاء التحكيمية وجبة دسمة للإعلام واستمرارها مهم للإثارة الإعلامية، قد يلعب الحكام في هذا المشهد الرياضي نفس دور عمال المصانع الذين رفضوا الآلات أن تحل مكانهم في العمل.
لا يبقى إلا أن أقول:
دعم "عادل عزت" لهذا المشروع لا يختلف عن مناصرة "هنري فورد" مالك ومؤسس شركة فورد لصناعة السيارات في الثلاثينيات الميلادية، عندما أطلق عبارته الشهيرة: "الآلات وزراء عن الإنسان"، كان يقصد أن التكنولوجيا سوف توفر فرص عمل جديدة للعمال، ولن تحل مكانهم، بل تسهم في تحسين الأداء البشري.
يبقى الأهم أن ينجح الاتحاد السعودي لكرة القدم في أن يعزز علاقة الود ما بين الحكام و "الفيديو المساعد"، وأن هذه التقنية هدفها تطويرهم ودعمهم، ولا قيمة لهذا المشروع إلا بتعاون الحكام أنفسهم مع أهدافه النبيلة بتعزيز العدالة والنزاهة.
قبل أن ينام طفل الـــ "هندول" يسأل:
هل سوف يفترس الفيديو الحكام في الملاعب ليحل مكانهم؟!
هنا يتوقف نبض قلمي وألقاك بصـحيفتنا "الرياضية".. وأنت كما أنت جميل بروحك وشكراً لك..