المتعصبون مساجين الجوهرة!!
في عام 1600م، بني في مدينة فينيسيا الإيطالية أو "البندقية" جسر يربط بين قصر "دوتشي" مقر قاعة المحكمة والسجن القديم.
تقول الحكايات في فينيسيا: "إن السجناء كانوا يطلبون من السجانين أن يسمحوا لهم بالوقوف على الجسر لبضع دقائق؛ ليلقوا آخر نظرة على المدينة الساحرة، وكانوا في تلك الدقائق القصيرة "يتنهدون" قبل أن يجروا إلى السجن المظلم لسنوات طويلة، وأحيانًا إلى آخر العمر، فسمي "جسر التنهدات".
هكذا كان حال مساجين البندقية في كتاب "بيكاسو وستاربكس".. تذكَّرت تفاصيلها وأنا أتخيل المشهد اليوم في"الجوهرة"، بعد صافرة الحكم نهاية مباراة نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين، بفوز الهلال أو الأهلي، وكثير من "المتعصبين" مساجين في مقاعد مدرجات الجوهرة يتنهدون، وكأن نتيجة خسارة المباراة حكم صادر بسجنهم في زنزانة الأحزان.
حتى هذه اللحظة لا نعرف من المساجين جماهير أهلاوية أم هلالية؟!.
أولئك الأحرار حكموا على أنفسهم بــ"التعصب الرياضي"؛ فأصبحوا ضحايا يحزنك مشهدهم وهم "يتنهدون"، لتصبح الجوهرة المشعة "ملعب التنهدات".. أجساد متصلبة عاجزة عن الحركة أو العودة إلى أحضان بيوتهم، أرواح يتلبسها الهم والنكد، وكأنهم تحت مقصلة الإعدام واللحظات الأخيرة في الحياة.
هذا يبكي وبجانبه شخص يصرخ وأمامهما جيوش من الجماهير المسجونة بين جدران الهزيمة، أبواب الملعب مفتوحة وكأن الحراس يقولون لهم:
اخرجوا أنتم اليوم طلقاء... اخرجوا سنطفئ أنوار الملعب!!.
ظلام دامس لا يختلف عن الظلمة التي تسكن قلوبهم العاجزة عن النبض، وكأنهم أموات في جسد أحياء، سلاسل من وهم ربطتهم في المقاعد يرفضون أن يكونوا أحراراً، هؤلاء المتعصبون "مساجين الجوهرة" يرفضون الحرية وكأن خسارة فريقهم حكم قضائي لا يقبل الاستئناف.. سجن مؤبد في شباك الهزيمة.
لا يبقى إلا أن أقول:
"الرجل الذي يحرم رجلاً آخر من حريته، هو سجين الكراهية والتحيز وضيق الأفق".
هذه العبارة التي قالها "نيلسون مانديلا"، تصف لك أن كل إعلامي أو مغرد شهير بتويتر، حرض الجماهير على "التعصب الرياضي"، هو سجين الكراهية؛ لأنه ضلل الجماهير بنبض حرفه أو نبرة صوته لمخالفة "الروح الرياضية".
حرر نفسك أيها المشجع من التبعية؛ فكن ذاتك.. لا تنقاد لأشخاص هدفهم الشهرة والرقص على ألمك، لك الخيار الآن قبل أن تذهب إلى ملعب الجوهرة.. إما أن تعود لبيتك حراً طليقاً أم سجيناً في زنزانة "التعصب الرياضي"، التي فتح لك أبوابها إعلامي أو مغرد يحرضك لتدفع ضريبة الحرمان من الاستمتاع، بأن جمال الرياضة "اليوم تفوز وغداً تخسر"، وكأن كرة القدم "عادلة" توزع الأفراح والأحزان بين البشر بالتساوي، بتعدد الأبطال ورفضها الاحتكار؛ لكي يولد في منصاتها كل يوم بطل مختلف.
قبل أن ينام طفل الـــ "هندول" يسأل:
هل يدرك المتعصبون مساجين الجوهرة، أن كفالة خروجهم من السجن "الروح الرياضية"؟!.
هنا يتوقف نبض قلمي وألقاك بصـحيفتنا "الرياضية".. وأنت كما أنت جميل بروحك وشكراً لك..