الصوت العالي لا يصل
لا أدري..
هل أقول..
فاز المنتخب الكوري الجنوبي على منتخبنا الوطني بهدفين للا شيء ضمن تصفيات آسيا المؤهلة لمونديال 2010؟
أم أقول.. إن منتخبنا خسر المباراة المذكورة؟
ربما قال قائل: وما الفرق؟
ثمة فرق كبير.. والدخول إلى المضامين الفلسفية لهذه وتلك يتضح من خلاله هذا الفرق.
انتهت المباراة، وعلينا أن نطوي صفحة النتيجة، ونبقي على صفحة المباراة مفتوحة، لكن علينا أن نركز فيما نكتبه في هذه الصفحة وما نتناوله.
لقد فتحنا الصفحة، فسطرناها ضجيجا وعويلا وكثيرا من كلام محير.
(ورضا كطفل صغير.. يخط كلاما غريبا على وجه دفتر)، ولم نترك مكانا في الهامش، ولا فراغا بين السطور، إلا ملأناه حروف احتجاج وقليلا من كلام مؤثر، ولا قناة فضائية إلا سقيناها تحليلا، وقليلا من حديث مؤطر.
لا أريد هنا أن أدافع عن الاتحاد الآسيوي، ولا أنفي أخطاء التحكيم، ولا أن ألقي عليه (بعضا من) وليس (كل) أسباب الخسارة.
وتقويم أداء الحكم عملية نسبية.
لكنني أريد أن أتكلم بواقعية بعد غيض موج الانفعال، واستوت على الجودي لغة العقل والمنطق.
ومن هنا.. دعونا نتناول الحدث من منطلقين أو موقفين:
ـ موقفنا من أنفسنا.
ـ موقفنا من الاتحاد الآسيوي.
أولا: مع إيماني الشديد وقناعتي أن أخطاء الحكم كان لها تأثيرها السلبي على مجرى المباراة، فإننا لا بد أن نؤمن أيضا بأننا سوف نتعرض مستقبلا لأخطاء أخرى، وربما أكبر لأن الخطأ جزء من المباراة، بل جزء من حياتنا العامة، ولا يمكن أن تخلو مباراة من الأخطاء، وما لم نكن مهيئين أنفسنا لقبول الخطأ والتعامل معه سنظل ندور في الحلقة نفسها،بين ردود أفعال فقط، دون أفعال.
لكن، دعونا نتساءل بصراحة، هل كنا مؤهلين لكسب المباراة؟ سواء قبلها أو أثناءها.
كنا ندرك أن الفريق يعاني من نقص في بعض عناصره الأساسية، ولكن البعض كان يكابر ويزف الفريق للكسب، عبر وسائل الإعلام وغيرها، حتى تم تهيئة الفريق والرأي العام والسير به في اتجاه واحد غيرقابل للتعديل.
وكان البعض الآخر يمارس دورا سلبيا في التأثير على وحدة الفريق دون أن يقصد.
أثناء المباراة لم يكن الأداء مقنعا بالصورة التي تتناسب مع ردة الفعل عن الخسارة سواء كان أداء أو انضباطية وتعاملا مع أحداث المباراة.
وكثيرون يدركون ذلك، لكن للأسف لا يجرؤون على قول الحقيقة خاصة الذين تتبدل مواقفهم وآراؤهم وفق اتجاه التيار.
وكان المفروض أن يحسم الفريق المباراة في شوطها الأول بما يجعلنا في منأى عن أخطاء الحكم، لكن الفريق لم يكن في هذا الشوط مقنعا، ولم يقدم ما يشفع له بذلك.
في الشوط الثاني تأثر بالطرد لأنه لم يكن يملك إمكانات التعامل مع الحدث، وانعكس ذلك على انضباطيته مما أدى إلى ولوج الأهداف في مرماه بأخطاء يمكن تجاوزها وإضاعته مثلها للأسباب ذاتها.
نقطة الضعف الكبرى في الفريق ليست في هذا المركز أو ذاك، فهذه واضحة لكن الضعف في افتقاده للقيادة، والقيادة نوعان:
ـ قيادة إدارية (الكابتن) أو رئيس الفريق، والذي يمثل دور المدرب داخل الملعب، وهذا القائد كان يمثله بنجاحه عبد الرزاق أبو داود، صالح النعيمة، ومن قبل سلطان بن مناحي.
ـ قيادة فنية داخل الملعب، أو ضابط إيقاع الفريق وفق مجريات اللعب ومعطيات المباراة، وهذا يمثله لاعبون أمثال يوسف الثنيان، محمد نور، صالح المطلق، فيصل ابو اثنين، صالح خليفة، فؤاد أنور وغيرهم.
وقليل من يجمع القيادتين، أمثال عبد الرزاق والنعيمة وخالد التركي.
افتقاد الفريق لهذا النوع من القيادتين، ولثقافة اللاعب الذاتية أدى إلى أن ينال لاعبوه، ولاعبون مؤثرون فيه إنذارات غير مبررة أدت إلى إيقافهم، وتهديد آخرين بالإيقاف لأسباب تافهة.
هذه الإيقافات دفع الفريق ثمنها بعدم مشاركات هؤلاء وأخشى أن يدفع ثمنا أكثر في مباريات مقبلة.
وعلى هذا الأساس يحتاج الفريق للاعبين من هذه الفئة، وثمة لاعبين يتفق عليهم الجميع ويترك غيابهم علامات استفهام ضائعة بين القرار الفني والقرار الإداري.
ولم يعد المبرر الفني مقنعا، ومن هنا يفترض توضيح الحقائق وحسم الأمر حتى لا يتحول الموضوع إلى ما يدور الآن، وتأثيره على الفريق.
أو أن يعالج الموضوع بطريقة تحفظ لكل حقه، وللمنتخب مصلحته.
والمنتخب يجب أن لا يقوم على لاعب واحد مهما كان عطاؤه ومستواه الفني.
والحديث عن اللاعبين كأفراد ربما كان له موضوع آخر.
ثانيا: موقفنا من الاتحاد الآسيوي..
دعونا نطرح تساؤلين:
الأول: هل موقفنا الأخير من الاتحاد الآسيوي يمكن إدراجه تحت (غضبة الحليم)؟ أم أنه ردة فعل على حدث معين ما يلبث أن ينتهي أثرها بزوال المؤثر؟
والثاني: هل الموقف من الاتحاد الآسيوي موقف تراكمي بلغ فيه السيل الزبى كما يقولون، أم أنه ردة فعل آنية كون الحدث لامس جرحا معينا، وكان عزفا منفردا على وتر حساس؟ هذه التساؤلات أطرحها من شقين:
أولهما: يتعلق بالتساؤل الأول وما يندرج تحت (غضبة الحليم) ويظل التساؤل عن أبعاد هذه (الغضبة) ومدى تأثيرها وإلى أي مدى يمكن أن نصل بها ليكون لها أثرها وصداها.
ثانيهما: تتعلق بعموم المتعاملين مع الحدث، ذلك أن قناعات بعض من هؤلاء تتبدل، فالذين استنصروا الاتحاد الآسيوي عندما كان يوزع جوائزه على نجوم القارة، وطالبوا بإنصافه، ووصفوه بالعدل، وإن كان المقصود لاعبين سعوديين هم اليوم يستصرخونه باسم الوطن ومن أجل الوطن.
وبالتالي فإن مثل هذه النوعية لا يمكن أن تكون مقنعة للرأي العام بهذا التوجه، وقادرة على طرح رؤى يعتمد عليها من خلاله.
فالوطنية كل لا يتجزأ.. وما يمس لاعبا يمس آخر، وما يطال ناديا يطال المنتخب، وطرح الرؤى بهذه الصورة يعطي انطباعا معينا عن أسبابها، والهدف منها ومدى مصداقيتها.
لقد جاءت الخسارة بهذه الصورة لتمنح المدرب ناصر الجوهر راحة نفسية، وبعدا عن الضغوط، هو في غنى عنها.
فبقدر ما تألم ناصر للخسارة كمدرب وكمواطن ولا أخاله إلا كذلك، إلا أن ثمة شعور نفسي داخلي يخفف عنه ألم الخسارة يختلف عنه عندما يفوز.
جاءت الخسارة لتمنح بعض الأقلام إجازة مؤقتة لأنها وجدت مساحة أكبر، وأفضل في نظرها لنثر مدادها عبرها، ويعيد السهام إلى أغمادها مؤقتا.
مثل هذا النوع (سيجرد حسامه من غمده) مجددا عندما لا تكون الظروف كهذه حتى لو فاز المنتخب.
وهي المرة الأولى التي يصبح فيها ناصر بعيدا عن مرمى السهام سواء فاز أو خسر، وأيا كان نوع الفوز أو الخسارة:
والسبب في جزء منه، هو ضبابية الموقف حيال بعض العناصر كما أشرت سابقا.
لنترك هذا جانبا، ونطرح التساؤل بجدية أكثر.. هل نحن جادون فعلا في إحداث تغيير في الاتحاد الآسيوي؟ وهو سؤال موجه للعموم من مسئولين وإعلام وأندية وكل من يتعامل مع الاتحاد، وبعيدا عما حدث أثناء المباراة، ومدى القناعة به من عدمه.
فإن الدعوة إلى إحداث تغيير ما في الاتحاد الآسيوي يجب أن تأخذ طابع الجدية إذا ما أردنا ذلك.
وإذا لم نتحرك بالفعل وننطلق من الحدث أخشى أن يصبح ما تم طرحه وتداوله في الأيام الماضية (فورة حليب) أو (زوبعة في فنجان) أو (فقاعة صابون) أو سموها ما شئتم.
وقد يتم إيقاف الحكم ثم نكتفي بذلك ونعتبره انتصارا لإرادتنا وترجمة لمواقفنا لتعود الحلقة من جديد ونحن نزداد جراحا والجراح تزداد عمقا.
والذين عاصروا الاتحاد الآسيوي منذ 30 عاما وربما أكثر يدركون خفاياه وأساليب إدارته.
كنا في السابق وعلى مدى عقود لا نعرف من الاتحاد الآسيوي إلا أمينه العام، واليوم لا نعرف من هو أمينه؟ رغم أهمية هذا المنصب وحساسيته، واعتبار الأمين العام في كل هيئة أو اتحاد الدينمو المحرك له، وقلبه النابض.
في السابق كان يطلق على الاتحاد الآسيوي اتحاد فيلبان نسبة إلى أمينه العام الماليزي بيتر فيلبان وتأثيره وقلة من يعرف اسم رئيس الاتحاد.
واليوم أصبح البعض يطلق على الاتحاد الآسيوي، اتحاد ابن همام نسبة إلى رئيسه محمد بن همام، ولا أحد يعرف أمينه العام.
شخصيا لا أميل لمثل هذه الأوصاف، فالاتحاد كل وهيئة، يجب أن نتعامل معه من هذا المنطلق وأن نسعى كعضو فيه إلى أن يكون كذلك.
وقلت في مقال سابق ولا زلت وأعتقد أن كثيرين يتفقون معي في ذلك، أن صوتنا في التنظيمات الدولية لم يعد له نفس القوة والتأثير.
وكان للأقدار دورها في ذلك، ونحمد الله على كل حال.
ولكن هذا لا يعني أن نكتفي بالبكاء على اللبن المسكوب ما لم نزل أثره ونصنع غيره.
ولدينا من الكفاءات والقدرات من هو مؤهل لذلك، متى ما حصل على التأهيل والدعم بمختلف أنواعه وعبر كل قنواته.
والمعاشرون للتنظيمات الدولية خاصة القارية، والمتعاملون معها يدركون أبعاد ما أعنيه، ويدركون أن الغلبة في هذه التنظيمات للصوت الأقوى، بغض النظر عما يحمله من كفاءة وإمكانات.
ويدركون أيضا، كيف تتم صناعة هذا الصوت وتقديمه، ومهما كانت إمكاناتك وقدراتك، ومهما كان عطاؤك وتاريخك، وأينما حللت واتخذت موقعك، لا يمكن لهذه التنظيمات أن تأتي إليك، وتقدم لك فروض الولاء والطاعة ما لم تفرض عليها ذلك، بشخصيتك وتعاملك وقوتك الشمولية.
لقد استضفنا العديد من الاتحادات العربية ومقرات الكثير من المنظمات واللجان الفرعية لكننا لم نفكر في استضافة أي تنظيم قاري على أي مستوى وفي أي مجال.
وهذا يطرح تساؤلا هاما عن مصلحة الكرة السعودية وأين تكمن؟ لا أنكر دورنا العربي، وأهمية ممارسة هذا الدور، وما تفرضه علينا الظروف، لكن هذا يجب ألا يمنعنا من البحث عن مصالحنا الأخرى.
وإذا لم نستضف فيجب على الأقل أن نؤثر وهو ما كان يحدث سابقا.
إذا أردنا ذلك وأردنا أن نصل علينا أولا أن نصلح ذاتنا وفريقنا ولدينا متسع من الوقت لذلك.
ثم علينا أن نتحرك لإصلاح هذه المنظومة (الاتحاد الآسيوي) ولدينا من الوقت ما هو أكثر اتساعا ومساحة.
إن التغيير لا يأتي من خلال ردة فعل ولكنه ينطلق من الفعل نفسه.
ثمة دول كثيرة في آسيا لا ترقى إلى مستوانا ديمغرافيا ولا فنيا ولا كفاءات ومع ذلك وصلت إلى الصفوف الأولى في الاتحاد وأصبحت ذات صوت قوي ولا أقول صوت عال.
وفرق بين الصوت القوي والصوت العالي، فالأول يسمع ولا يصل، والثاني يصل ويؤثر.
والله من وراء القصد،،