مات القلب الطيب النظيف الأبيض
لم تكن تربطني بالأمير محمد عبدالله الفيصل -يرحمه الله- تلك العلاقة الوطيدة مثل بعض الإعلاميين الذين كانوا على قرب كبير منه والتصاق عميق يسمح لهم بمعرفة الكثير من طباعه وخصاله الحميدة، إلا أنني من خلال مواقف قليلة جداً لها صلة بعالم الكلمة الذي تشرفت بالانتماء إليه وشرفني بالالتقاء بشخصية تمتع بنبل الأخلاق العالية جداً التي نادراً ما تجدها موجودة هذه الأيام في مجتمع مسلم، يفرض عليه دينه الحنيف أن يتحلى بصفة الحلم والقدرة على التسامح، حيث لمست فيه صفة (صفاء) القلب ونقاءه، حيث إنه لا يعرف الكراهية ولا الحقد في حياته حتى مع من يختلف معهم أو يختلفون معه في الرأي، تراه في دقائق سرعان ما يصافحهم ويقابلهم بابتسامة كانت تعجبني جداً وتزيد من محبته في قلبي وعلوا لا يعلم به إلا الله عالم الأسرار وما تخفيه الصدور.
ـ منذ أول لقاء جمعني به في مدينة الباحة حينما كان وكيلاً لوزير التعليم وكنت صحفياً صغيراً يبحث عن خبراً وتصريح صحفي من شخصية مرموقة مثله عرفته (صادقاً) صريحاً حيث قال لي بالحرف نصاً (ويش تبني أقول لما يكون في شيء يستأهل أتكلم).
ـ مرت الأيام والسنون وتشاء الأقدار حينما توليت مسؤولية رئاسة القسم الرياضي بجريدة المدينة شاركت في حلقات رمضانية في برنامج (الخيمة) الذي كان يقدمه زميلنا الإعلامي القدير على داوود عبر شاشة الـ(ارتي) وكان -يرحمه الله- ضيفاً في أكثر من حلقة وعلى الرغم من حدة الحوار والأسئلة المحرجة التي كنا نطرحها عليه وما تسببه له من إزعاج وعدم رضا يقابلنا بعد نهاية الحلقة بـ(بشاشة) وجه وعتاب يقدم لنا بعضاً من تجاربه ونصائحه ورؤيته الصريحة في بعض ما طرحناه خاصة في مجال التحكيم أو مقدم عقود اللاعبين، حيث كان من أشد المعارضين لانتقاد الحكم والمدرب ورافضاً لفكرة أن تكون هناك مقدم عقود للاعبين.
ـ مرة كتبت عن دورة الصداقة التي كانت تقام في أبها وعن غير قصد لم أذكر من كان لهم دور في نجاح حفل الافتتاح، حيث جيرته بالكامل لشركة كان لها دور مساهم في تنظيم الحفل، وعندما قابلته في اليوم التالي وقد هممت بمصافحته، قال لي لا تسلم عليّ، حيث صارحني مباشرة وجهاً لوحه عن سبب زعله ورفضه لمصافحتي، حاولت أن أشرح له وجهة نظري إلا أنه لم يقتنع فكتبت مقالاً اعتذرت عن ذلك السهو الذي حدث مني وفي نفس اليوم وبعد اطلاعه على ذلك الاعتذار وموقفي من معلومات لم تكن متوفرة لدي وبمجرد ما رآني قال لي والابتسامة ملأت شفتيه (الآن أسلم عليك).
ـ لم أعرف في حياتي الإعلامية منهم في بياض قلبه إلا ثلاثة (وهم جلال أبو زيد ومحمد صادق دياب -يرحمهم الله جميعاً- ومنصور البلوي)، إذ لمست فيهم القدرة على التسامح والنسيان عبر عدة مواقف حدثت أمامي وعشت جزءاً منها عن قرب، حيث كان لها تأثير مهم في مسيرتي الإعلامية، لا أنكر أنها أضافت لي جوانب إيجابية في شخصيتي وعلاقتي مع الآخرين من خلال محاولة تنميتها أكثر من خلال الاحتكاك بمثل هذه الشخصيات التي تحمل الحب والخير للآخرين وقلباً طيباً شفافاً منزوعاً منه الحقد والكراهية.
ـ الحديث عن محمد العبدالله الأمير والإنسان والشاعر والرياضي يطول ويحتاج إلى مجلدات تفيه حقه من التكريم والتقدير الذي يليق به وبما قدمه لخدمة هذا الوطن وبالذات شبابه؛ حيث كان -يرحمه الله- (داعماً) للإبداع والمبدعين بكل وسائل التحفيز والتشجيع والمتابعة منه شخصياً.
ـ أسأل الله أن يتغمد فقيد الوطن بواسع رحمته ويسكنه جنة الخلد، وإن كان محظوظاً بنقاء سريرته في حياته، فقد مات في أفضل الشهور عند الله.. وغريباً في بلد الغربة ليأخذ منزلة (الشهداء) بإذن الله.. كما أسأله سبحانه أن يلهم إخوانه وأخواته وأبناءه وابنته وزوجته، والأسرة المالكة وجميع محبيه الصبر والسلوان على فراقه.. عزائي لهم فرداً فرداً.. و(إنّا لله وإنّا إليه راجعون).