القناعة (سر) سعادة وتعاسة آدم
يا سلام على القناعة مريحة للنفس ومطمئنة للقلب، ويهنأ بها الضمير الحي المؤمن بقضاء وقدرة الله بأنه سبحانه جلت قدرته هو موزع الأرزاق بكافة أنواعها وخصائصها على عباده كيفما يريد ومتى يشاء بعدما كتبت أدق تفاصيلها قبل أن يخلق الجنين في بطن أمه.
ـ يا حظ من كانت القناعة هي حكمته الأولى في الحياة ورأس ماله للآخرة وجنة الفردوس عرضها السموات والأرض وما بينهما، اللهم بفضل هذا اليوم الفضيل عندك أن نكون من أهلها وننعم بنعيمها الذي لا يزول والتي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ـ القناعة والطمع لو تدبر الإنسان معانيهما في كيفية احتضان الأولى والتمسك بها في كل شؤون حياته وتجنب الثانية بكل ما تقدمه من (مغريات) حسية ومعنوية ومادية وجسدية وأدرك مدى تأثيرها على صحة بدنه وعقله وقوت يومه وأهله وماله وكل من حوله قريباً أو بعيداً لأصبحت إحدى هاتين الكلمتين إما مصدر سعادته أو شقائه وعزه وذله في هذه الدنيا الفانية ثم في حياته الباقية.
ـ القناعة والطمع وقبل أن يخلق هذا الكون ويوجد فيه خلق كانتا سبباً جوهرياً في عصيان إبليس (لعنه الله) لربه وطرده من رحمته، وسبباً ثابتاً في محكم كتبه السماوية في (إغواء) آدم وحواء بعدما وسوس لهما الشيطان فأكلا من الشجرة الملعونة فحرما من نعيم الجنة التي كانا ينعمان بها ليهبطا إلى الأرض بأمر من الله سبحانه جزاء وعقوبة لهما لعصيانهما له الجبار الصادق وانصياعهما لما دعاهما إليه إبليس الذي وعد الرب وعداً قاطعاً فيه نوع من التمرد والتحدي المستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ـ سألت نفسي في حديث معها وعادة ما أخلو بها في لحظات (رحمانية) هل الله الغني المتعال كان في حاجة إلى طاعة آدم وحواء لما أمرهما به وحتى يجعل من عقوبته سبباً لينزلا إلى الأرض وإلى أن يتفرغا هما وذريتهما إلى عبادته سبحانه أم أنها حكمة منه الحكيم كـ (اختبار وموعظة وعبرة) لعباده لتبقى قصة (أبيهم وأمهم) نموذجاً ومثالاً يتم العودة والرجوع إليه مع كل حالة (طمع)، إما نتيجة (حسد) للغير وعدم (قناعة) بما وهب الكريم هذا الإنسان الضعيف المغرور.
ـ انظر يا ابن آدم لمن حولك ممن اقتحموا سوق الأسهم وغيرهم من تجار العقار والمخدرات وغسيل الأموال ممن قتلهم الجشع والطمع وأعمى قلوبهم كيف كانوا وإلى ما أصبحوا إليه الآن، فاحمد الله على ما وهبك وأعطاك ولا تمدّن عينيك حسداً وبطشاً إلى ما هو ليس لك، وارض بنصيبك من الدنيا بما رزقك من مال وبنين ونعمة الصحة والأمن النفسي وراحة البال، واقنع بما أنت فيه ولا يعني ذلك أن تبقى كسولاً خاملاً عاطلاً عالة على المجتمع، إنما اسع في أرض الله الواسعة و(اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)، وعليك بالكسب الحلال فالحرام مهما كثر وزاد فإنه زائل لا محالة، فقد قيل (الطمع يذهب ما جمع)، وللحديث تتمة في يوم الجمعة المقبل بإذن الله وكلامي بطبيعة الحال موجه لكل (الغيرانين) موتوا حسداً وقهراً.