سمير غانم
والبقعة الدهنيّة!
سمير غانم أفضل من يرتجل، قفشاته ساحرة، ولأنه تنبّه، أكثر منها، ولأنه أكثر، استغنى عن النّص!، ولأنه استغنى عن النص بَهتت أعماله الأخيرة!.
ـ يبدو أنّ كِبَر السَّن يقلل من إمكانية الإمساك بالقفشة الضاحكة، يؤخرها قليلًا، أو يطيل الالتفاف فيها وحولها، فتتبخّر فتنتها!. كأنّ الارتجال مصاحب لحيوية الشباب!.
ـ ما يسمّى بالارتجال على خشبة المسرح، له مسميات تختلف باختلاف بقية الفنون، لكن النكهة واحدة، والحاجة إلى "عفرتة" وحيوية الشباب هيَ هيَ!.
ـ المسألة باختصار هي القدرة على يقظة دائمة وتربّص لاقتناص لحظة صيد غير متوقعة!. وفي الغالب فإنّ ما نسميه بالموهبة ليس إلا كثرة النجاح في مثل هذا القنص!. ينطبق ذلك على لاعب كرة القدم كما على الشاعر كما على الممثّل كما على الملحّن كما على الرسّام!. فإنْ تمّ النجاح مرّة أو مرّتين فقط، دون غزارة وبصمة، أسميناه حظًّا أو صدفةً، ولم نسمّه موهبة!.
ـ من أهم وأوضح أدوات "الارتجال"، أو "الالتقاط" الفنّي، القدرة على "تخطيء" الصواب، بسرعة رد أو تصرف أو خبطة لونية أو موسيقية، لا يعود بعدها الصواب صوابًا!، ونكتشف فقط أننا كنا نظنه صوابًا ليس أكثر!. والعكس صحيح وأشد وقعًا، فبحركة بهلوانية ساحرة، قد تتغير الصورة والموقف، فنكتشف أنّ ما كنا نحسبه خطأً طول الوقت هو الصحيح والصواب بعينه. الشرط المصاحِب هو أنْ يحدث ذلك بطرافة وبلمح البصر!.
ـ لا يكفي الفنان استخدام كل أدواته للحصول على، وللوصول إلى، هذه اللحظة!. وهذا هو السبب في أن الفن علم لا يمكن تعليمه!. إذ يلزم الفنان استخدام كل ما "ليس أدواته" أيضًا!.
ـ المقصود بكل ما "ليس أدواته" توضحه حكاية قصيرة وعابرة، من حكايات رواية "آنا كارينينا"، حيث "ميخايلوف" الرسّام، يريد إتمام لوحته، مجرّد رتوش خاتمة على ما أنجز، لكنه وما إن يضع اللوحة أمامه حتى يُفاجَأ بأنّ بُقعة دهنيّة تسلّلت من المطبخ إلى اللوحة، سابغةً على الرسم وضعًا جديدًا!. وضعًا يذكّره بذقن بائع السجائر، يروق له الوضع الجديد، فتبدأ اللوحة من جديد برسم ذاتها، طائعةً بخضوع محب لما أوصت به فجأةً البقعة الدهنيّة!.