خزعبلات!
ـ بين لوحة رسم إرشاديّة، أو لافتة طريق، وبين لوحة فنيّة، فارق أساسي، وهو الفارق ذاته الموجود بين فاتورة حساب وكتابة أدبيّة، أو حتى بين أصوات العصافير والموسيقى، أسمّي ذلك الفارق بـ: الخُرافة!.
ـ ظنّي أنّ كل ما لا تمسّه الأسطورة بشيء، كل ما يبرأ من الخزعبلات، كل ما يطْهُر من الخرافة، ليس من الفن ولا من الأدب في شيء!.
ـ يبدو الظنّ فظًّا وقاسيًا، وللأسف هو على ما يبدو عليه فعلًا!. وفي محاولة يائسة للتخفيف من خشونته، أكتب: لكن الطلسمة ليست فنًّا!. وحتى لا أمسح جملة التخفيف هذه مع أول مراجعة للمقالة، سأضيف: الطلسمة ليست فنًّا بالضرورة!.
ـ لا أعرف متى بدأت الأسطورة، أخمّن أنّها بدأت بتأثير وتدبير من يدٍ ذات خمسة أصابع: الحلم، الماء، الدخان، الظلال، والمرايا!.
ـ حين شاهد الإنسان صورته لأول مرّة، على صفحة مياه، أو منعكسة في مرآة، أو في حلم عرف فيما بعد أنه حلم!، وكذلك حين عجز عن مشاهدة صورته كليًّا أو جزئيًّا، حيث الظلال والدخان، اكتشف أنّ لديه مخيلة!.
ـ ومع أوّل حفر لتربة هذه المخيلة، ظهر الزيف!. وما إن تذوّقه الإنسان حتى وجد طعمه لذيذًا، وإنه منّاح متعة وطمأنينة!. أخذه وخبز الأساطير والخرافات والخزعبلات!.
ـ ثم إن الإنسان صُدِمَ، بقدرة المعرفة على طرد مثل هذه الهذيانات الماتعة!. وأظنه أنه لا يزال في كل إنسان رغبة دفينة، قوية عند البعض وواهنة عند البعض، لطرد المعرفة!. لكن المعرفة قويّة حقًّا، تحضر وتسيطر، وفي كل حضور لها تغييب لخرافة ما!.
ـ لذلك، وكل ما أقوله ظنّ، اخترع الإنسان الفنون والآداب!. وفيها خبّأ متعة الأساطير!. وهو ممتنّ لكل فنان أو أديب يُحسن تمرير خزعبلاته المبهجة بطريقة لا تقدر المعرفة عليها، طريقة تُعجِز العلوم والرياضيات عن رفع دعوى قضائية مضمونة الكسب!.
ـ سر المتعة، متعة الفنان المبدع، وكذلك متعة متلقّي الفن المبدع أيضًا، هي إحساس كل واحدٍ منهما، بإمكانيّة أن يتواجد في مكانين وأكثر في نفس الوقت!.
ـ حين نكتب أو نقرأ شعرًا أو رواية، حين نرسم أو نتأمّل لوحة، حين نصنع أو نشاهد فيلمًا سينمائيًّا، حين نُغنّي أو حين نطرب لغناء، هل نفعل شيئًا آخر غير الاستمتاع بتواجدنا في مكانين أو أكثر في نفس الوقت؟!.