«الاستنزال» .. ترفيهنا
عندما أطلق الفنان سعد جمعة أغنية: "باسمك صرخت وصابني نشوة الزار"، سيطرت على الساحة الفنية في عام 1993م.. كنّا نرددها مستمتعين للأسف.. وأدعو القراء ألا يسمعوها أو يشاهدوا "الكليب" حفاظًا على الذائقة الفنية ولا يسقط جيلنا من نظرهم.
يقال بأن بعض الأغاني تدل على حقبة زمنية.. سعد ضرب على هذا الوتر "الزار".. نسميه بالعامية "استنزال"، وهو الرقص الهستيري لأشخاص على دفوف، بعدها يسقطون بشكل مخيف في حالة تصلب جسدي.. طقوس غريبة.
الخميس كان مقدسًا.. الإجازة الأسبوعية.. خيارات الترفيه محدودة.. صديق يسألني: "وش عندك الخميس؟.. أجبته: "ولا شيء.. بلعب كورة".. قدم لي عرضًا ترفيهيًّا: "نروح السامري؟".. مصدر الترفيه في التسعينيات.. فكرت في بدائل.. لا يوجد.. من منا لا يعشق السامري.. لكن فيديو كليب سعد جمعة يمرّ في مخيلتي.. منظر "المستنزل" وسواليف الجن لم تستهوني.. قررت الذهاب، سألته: "وش ألبس؟".. رد غاضبًا: "أكيد ثوب وشماغ؟". قلت: "هي حفلة زواج؟".. وطلبت منه شروط حضور السامري.. أجاب بسخرية: "اللي يستنزل مرتين يوقفونه عن المشاركة في السامري الثاني".. دعابة صديقي أذابت الخوف.. اتجهنا إلى المخيم.. سألته عن الموقع بعد أن تُهنا.. رد: "إذا سمعت صوت طق طبول علمني".. سمعت وما علمته.. في لحظة قررت التراجع.. لكن للأسف هو سمع".
وصلنا الموقع.. حشود كبيرة.. درجة الحرارة تقارب الأربعين.. النيران تشتعل.. طرب السامري رائع.. أذني معه وعيني على الحضور أترقب أول المستنزلين.. الجلسات أرضية.. استفسرت من صديقي فرد: "أنت في لعب سامري مو في مطعم".. طلبت الجلوس في مكان آمن.. فأجاب من دون خفة دم: "اللي تشوفه لابس خاتم كبير في يده اليمنى لا تجلس جنبه".. اُضطررت أن أسلم على كل شخص.. أستقر بي الحال في موقع مميز.. شاب في الثلاثين يبدو عليه الاحترام.. يرتدي خاتم الزواج.. جلس على يميني وصديقي على يساري.. الطرب يشتد.. الدفوف ترتفع فوق.. بدأ الاستنزال واحدًا تلو الآخر.. شعور الخوف أحاط بي.. أحدهم يسقط على وجهه يبحث عن الجمر من أجل أن يأكله.. سألت صديقي: "ليه ما تعشى قبل السامري؟".. حاولت أن ألطف الأجواء المخيفة.. فتحت مواضيع مع الشخص المحترم بجانبي لعلي أتجاهل ما أشاهد.. سألته عن ماجد وسامي وطاش والسيارات.. يرد بهدوء.. فجأة عقاله يرتفع في السماء وشماغه على الأرض ويمتد متشنجًا. "استنزل"، على الفور ابتعدت.. وقلت لصديقي: "وش السالفة هو ما لبس خاتم؟.. لم أنتبه إلى يده اليسرى..
ظاهرة الاستنزال سيطرت على جيلنا وطبعًا لم تكن جيدة.. الترفيه ليس بارتكاب الأخطاء..