مسألة حَوَلْ!
-أنتم، يا سادة يا كرام، تتعاملون مع كاتب “أحْوَل”!. هذه هي الحقيقة التي كان يجب أن أقولها لكم من اللحظة الأولى التي فُتِحت فيها هذه الـ”بلكونة”!. وهي حقيقة لم يردّني عن الاستهلال بها، في أول مقالة تُنشر هنا، نقص في الشجاعة الأدبية، رغم عِظَم هذا النقص، بقَدْر ما ردّني عنها “الحَوَلْ”، أو هذا ما أظنه!.
-خذوا عندكم: كان يُمكن تسمية هذه الزاوية “شُرْفَة”، وهو الاسم العربي المرادف لـ”بلكونة”، لكنه الحَوَل يا سادة!. ثم إنني أكتب في جريدة هي في نهجها، واسمها: رياضيّة، وها قد تجاوزت مقالاتي اليومية ألف مقالة ومقالة، ومع ذلك لم أكتب في الشأن الرياضي ما يزيد عن عشرة مقالات، أو هذا ما أظنّه!.
-مسألة الحَوَل لديّ عويصة، قديمة ولها منابع كثيرة!، لدرجة أنني أُلطّف الأمر كثيرًا حين أكتفي بوصفه حَوَلًا!.
-فمثلًا، ولأسباب لا أشك أنّ لها علاقة بُعقدَة “البدون” التي حملتها على كاهلي زمنًا، إلى أن يسّر الله الأمر، أجدني حريصًا، حرصًا يكاد يكون مَرَضِيًّا، على الاحتفاظ بكل ورقة أو فاتورة، حتى وأنا أعلم يقينًا بعدم أهميّتها!.
-في المقابل، لا أحتفظ بأي أرشيف لقصائدي ومقالاتي!. اللهم إلا ما أبقته الصدفة، أو أهداني إياه قارئ أو صديق، وحتى بقاء مثل هذه الهدايا، يظل رهن الحظ والصدفة!.
-وأتحدّث عن الروايات كثيرًا، وأكتب عنها، وأُشير إلى كُتُب فلسفية وأدبية كثيرة، وحين أتدبّر الأمر، أجدني إنما أكتب في الحقيقة عن كُتُب أُخرى!.
-أكتب عن “مدام بوفاري” لفلوبير، والحقيقة أنني أكتب عن ترجمة محمد مندور للرواية، وهذا عمل وذاك عمل آخر، مختلف، بالضرورة!.
-وأكتب عن “آنّا كارنينا” لتولستوي، والحقيقة أنني لم أقرأ تولستوي!، وما قرأته وما كتبت عنه لم يكن إلا ترجمات أهمها كان لـ “علي شيري”، و”صياح الجهيم”!. وفي الترجمات اختلاف، وتباين!.
-لم أقرأ شكسبير، وإنما قرأت ترجمات جبر إبراهيم جبرا لشكسبير!. حقيقة ماركيز، وكل أدب أمريكا اللاتينية تقريبًا، هو ما قرأته من ترجمات صالح علماني، وقلّة آخرين، لهذا الأدب!. وأقول إن رولان بارت غيّر طريقتي في القراءة، وأثراها، والحقيقة أنني لم أقرأ كتابًا واحدًا لرولان بارت!. ما قرأته ترجمات أعماله!. وأقول الأمر ذاته عن هيوم وكانط وهيجل، وعن ألبرتو مانجويل، وجليانو، وكونديرا، وغيرهم، وأتعامل مع ما تُرجم لهم إلى العربية على أنه الأصل والأساس، وليس في ما أقوله تزوير متعمّد، لكنه الحَوَل كفاكم الله شرّه!.
-حتى ما يبدو أنه شجاعة أدبية، مردّه الحَوَل في كثير من الحالات، خاصةً تلك التي تبدو فيها مثل هذه الشجاعة مدوّيّة!.
-قبل أيام، غرّد الصديق عبد العزيز الدوسري في حسابه في تويتر، متذكّرًا شيئًا من الأيام الخوالي. إليكم التغريدة: “خرج شاعر تحت مُسمّى “الشاهين” وغنّى له مطربون لكن ظلّ مجهولًا حتى كَشَفْتُ شخصيّته عبر حواري معه في صحيفة الأنباء حينها: الشيخ علي جابر الأحمد لـ “الأنباء”: أنا الشاهين!،....،..، فهد عافت كان قبلها بيوم انتقد الشاهين بشدّة”!. وقد دعّم الدوسري تغريدته بصورة من لقائه بالشاعر يرجع تاريخها إلى “2ـ6ـ1990”!.
-أيامها كنت أعمل في جريدة الوطن الكويتية، وأتذكّر جيّدًا، هذه الحكاية، والتي أكسبتني وقتها صيتًا، في الجسارة النقديّة!، وقد احتفظتُ بسر ذلك الصّيت الزائف، وحقيقة تلك السمعة الوهميّة، إلى هذا اليوم!. واليوم أقول لكم الحقيقة: إنه الحَوَل!. لو كنت أعلم أن الشاهين هو الشيخ علي جابر الأحمد الصباح، لما تجرّأتُ على كتابة حرف واحد ممّا كتبته يومها!.
-العمر “مش بعزقة”!، وفي تلك الأيام كاد أن يكون “بعزقة” بجلاجل!، لولا الله، ثم وقفة أدبية مهنيّة جليلة، رفيعة الشأن، من رئيس تحرير جريدة الوطن الكويتية أيامها، الأستاذ جاسم المطوّع ـ رحمه الله!.
-أنتم تتعاملون مع كاتب “أحْوَل” يا سادة، ولذا لزم التنويه!. هذا وأختم ببيتين كتبتهما قبل سنين تغزّلًا في الحَوَل، ممّا يؤكد الحالة أكثر وأكثر:
بعيونها مسْحة حَوَلْ يا حَلاها..
حَوَرْ، واغايظها واقول الحَوَلْ فيك!
والصّدْق، تدري عيونها وش بَلَاها:
من زِينها: هذي تبي مْشَاهدة ذِيك!.