هلهلة!
- يوم أخرجت المطبعة كتاب طه حسين “في الشعر الجاهلي”، سُمِع دويّ هائل، كان ذلك دويّ التغيير في طبيعة البحث العلمي والنقد الأدبي.. العربي!.
- قُوبِل بما هو أكثر من الرفض: بالكراهية!. غير أن كل قراءة للأدب العربي القديم لم تعد ذات قيمة فيما لو تجاهلت الطريقة الجديدة التي زعزع بها طه حسين كثيرًا من الثوابت!.
- أعانه قليل من الناس على فقد البصر، وأعان كل الناس على ما يشبه فقد البصيرة!.
- أدخل الشكّ الديكارتي في البحث العلمي، فهبّت من كتابه الصغير رياح كادت لا تُبقي ولا تذر!. لم يبق لامرئ القيس سوى قصيدتين، وفي كل منهما “إنّه”!.
- سخر من أن يكون الأمر صحيحًا فقط لأنه سائد، أو لأنه موروث!. بجملة صغيرة هزّ عرش تاريخ الأدب العربي كلّه: “الكثرة في العِلْم لا تُغني شيئًا”!.
- قبل طه حسين كانت المعتقدات الأدبية موثوقًا بها والتعامل معها يتم على أساس امتلاكها لحتميّة منطقيّة!.
- أزاح طه حسين هذه الحتميّة، فتمّت تعرية هذه المنطقيّة بشكل جعل قبولها كل هذا الوقت عجيبة من العجائب!.
- اليوم، الآن، يصعب علينا تخيّل الغضب القديم والإنكار المشكّك في نزاهة طه حسين وصدق نواياه!. لكن في تلك الأيام، تخيّلوا: كان منكرًا عليه إنكاره أن يكون هذا البيت قد كُتب في الجاهلية: “والله ليس له شريكٌ.. علّام ما أخفتِ القلوبُ”!.
- كان الأعمى يستغرب من عمانا!. كيف يمكن لبيت الشعر السابق أن يكون جاهليًّا، بالرغم من كل هذا التوحيد والتنزيه والإفراد بعلم الخافيات والقلوب؟!.
- هكذا، راح طه حسين يتنقّل، ملتقطًا بفطنة عبقرية تاريخ الأدب الجاهلي، مدافعًا، ومثبتًا، سطرًا بعد سطر، بأدلّة عقلية محترمة، أنّ “مهلهل بن ربيعة” حكاية وهم خاصة فيما يتعلق بـ”هلهلة” الشعر، وأنه أوّل من “هلهله”!. إنما: “هلهله الذين وضعوه من القُصّاص والمنتحلين وأصحاب التنافس والخصومة بعد الإسلام”!.
- يمتلك الفهم السائد، أي وكل فهم سائد، قوّة ضاربة، تكشف عن عدوانيّتها مع أول اقتراب من مساءلته!. سهر الأحياء على خدمة الموتى يصير قضية وجود!، يصير قضيّة نضال بأحزمة لا تمانع بنسف كل ما هو حي في سبيل عدم إقلاق راحة الموتى!.
- لا بد من ثمن، يدفعه الباحث الأمين والناقد الفطن، والمبدع الموهوب، والمثقف المتمكّن، والفيلسوف العميق!.
- رحم الله الدكتور طه حسين، أخطأ وأصاب، لكنه فتح طريقًا لم يعد بالإمكان إغلاقه!.