لا لقوانين النوع الأدبي!
- كان لي ذوق في الرواية وتغيّر!.
كنت لا أعتبر الرواية رواية ما لم تتمسّك بشروط معيّنة. لكنني، وبعد أن قرأت روايات كثيرة، تأكد لي أن تلك الشروط مدرسيّة ليس أكثر!.
- قرأت روايات كثيرة جيدة وفاتنة، وروايات كثيرة رديئة وباهتة، وكلها تلتزم بالشروط التي لا حاجة لذكرها الآن، ولا في أي وقت لاحق!. ليس لأنها غير مهمّة، لكن لأن الفن لا يستبدل الصميم بالتصميم!.
- ولأن الأدب في صميمه هو ما تجاوز تصميمه الهندسي وأعاد تشكيله بما يناسب هواه!. نعم، أظن أن كلمة “يناسب” مهمّة، فهي تقودنا إلى “التناسب” وهو ما صرت على يقين بأنه أهم ما في العملين الفني والأدبي، ذلك أنه ومن خلال التناسب تنبعث الجمالية وينمو الحُسْن!.
- العمل الأدبي، والفنّي عمومًا، لا يرفض الشروط الخاصة به، لكنه، وأتحدث عن العمل العبقريّ، قد يرتكز بأساساته على شرط واحد صغير، وربما يكون هذا الشرط ثانويًّا أو أقل من ذلك، ثم إن العمل ينطلق بعبقريّته من خلال الاهتمام بتفاصيل هذا الشرط الذي تمّ تكبيره ومنحه السلطة المهيمنة على باقي الشروط، للدرجة التي يُمكن معها الاستغناء عنها، أي عن شرط، أو أكثر، من هذه الشروط!.
- المهم، وهنا تكمن واحدة من مشاعل النبوغ، ليس عدم الاستغناء، المهم حقًّا هو أن ما لم يتم الاستغناء عنه من بقية الشروط يُعامل بكرامة وتقدير، وأن يتصرف المبدع معه ومن خلاله، بحرص، أو بطيش، يُتيح له في النهاية حضورًا مُتقنًا، ومُتقنًا هنا مرتبطة بتناسب المتعة مع الدّلالَة، تناسبًا لا يعود معه مُمكنًا فصل المتعة عن الدّلالة، ولا المعنى عن الإيقاع، ولا المشهد عن الإطار!.
- نأخذ مثلًا بسيطًا، رواية “نظافة القاتل” للبلجيكية “آميلي نوثومب”، عمل روائي ممتع، ومشغول بعناية، لكن:..
إن كنت تبحث في هذا العمل الأدبي عن شروط الرواية، يؤسفني أن أقول لك: ليس هناك غير ما يجعل منها عملًا مسرحيًّا بامتياز، أعني شرط الحوار، وهو بالنسبة إلى العمل الروائي لا يُعدّ شرطًا أساسيًّا، أو ربما لا يُعدّ شرطًا أصلًا!.
- عليك أن تقرأ هذا العمل مستظلًّا بخشب اللافتة التالية: “لا لقوانين النوع الأدبي”!. وهو ما يعني أن تقرأ دون دروع ورماح نقديّة مسبقة، وإلا فإن كل ما يمكنك فعله هو كسب ثرثرة تستعرض عضلاتها في جلسة مقهى، أو حتى ندوة أدبية!.