صناعة النمور!
ـ كلّ ما عليّ هو تهيئة المكان، وإعداد القهوة، أمّا أن أتبجّح بإمكانيّة تقديم هناء حجازي لكم، فهذه مسألة أكبر منّي.
أترككم مع الروائية الرائعة والكاتبة مدهشة العمق والبساطة، الدكتورة هناء حجازي، شاكرًا لها كرم قبول دعوتي للمشاركة في “بلكونة” الجمعة، التي صرتم تعرفون طبيعتها: قطف من كتاب.
هُيّئت القهوة، أهلًا بكم جميعًا، وأترك المكان والكلام للدكتورة هناء حجازي:
- كتاب نمور الحلم. بورخيس. قرأت هذا الكتاب بالانجليزية. وترجمته كاملا إلى العربية، لم أهتم بنشره في كتاب لأنه مترجم عن لغة وسيطة ولم أكن مستعدة لمواجهة المترجمين عن اللغة الأصل، نشرته في جريدة البلاد وفي موقع جهة الشعر. يكفيني ما تعلمته من بورخيس والزخم الذي شعرت به وأنا أترجم كلماته. ليست العبارات التي أقتبسها هنا تدل على حكمة أو إضاءة، هي عبارات إبداعية أدبية أحببتها وهي أجزاء من قصص ساحرة:
- الصانع:
ينسلّ منه الآن وتدريجيًّا العالم الجميل. ضباب عنيد يمحو معالم يده، لم يعد الليل يكتظ بالنجوم، لم تعد الأرض تحت قدميه ثابتة. بدأ كل شيء يصبح بعيداً وغير واضح. حين عرف أنه في طريقه إلى العمى صرخ!.
- نمور الحلم:
انقضت أيام الطفولة، وأصبحت النمور وشغفي بها بعيدة، لكنها مازالت تظهر في أحلامي، عند ذاك السطح المغمور والمشوّش كانت لا تزال مسيطرة، وهكذا.. حين أنام.. تشاغلني بعض الأحلام، وفجأة أدرك أني أحلم. ثم أتأمل: هذا حلم، مجرّد شكل آخر لرغباتي، وبما أني الآن أملك قوة لا حدود لها، سأصنع نمرًا!.
- أظافر:
حين طُرِحْتُ جانباً، في منزل رمادي اللون، مزوّد بأزهار ميتة وتمائم، كانت هي لا تزال مستمرّة في مهمتها العنيدة، إلى أن يخفف التحلل من حدتها، هي.. واللحية التي على وجهي!.
- المرايا المكسورة:
كانت إحدى صلواتي التي لا تتغير للرب ولملاكي الحارس هي ألا أحلم بالمرايا. أعرف أني كنت أراقبها يملؤني الشك. كنت أخاف أن ينحرفوا عن الواقع، وفي أحيان أخرى كنت أخاف أن أرى فيها وجهي مشوّهًا بفعل نكبات غريبة. عرفت بعد ذلك أن هذه المخاوف شائعة بشكل هائل في كل العالم. القصة بالفعل بسيطة، وسمجة!.
- ديليا إلينا سان ماركو:
نهر من العربات والبشر كان يتدفّقُ بيننا. كانت الساعة الخامسة من عصر يومٍ عادي. كيف كان لي أن أعرف أن ذاك النهر كان نهر الجحيم الكئيب، الذي لا يمكن تخطّيه؟ لم نرَ بعضنا بعد ذلك مرّة أخرى، وبعد مضيِّ سنة كنت ميتة!.
- حوار الموتى:
الشجاعة مسألة صمود، وهناك من يستطيع أن يصمد أكثر من البعض الآخر، لكن عاجلاً أم آجلاً يستسلم الجميع!.
- مسألة:
يعرف بإحساس فطري بينما يقف أمام جثة عدوّه أن القتل والإنجاب هما أفعال إلهية أو سحرية تتجاوز الطبيعة البشرية بشكلٍ واضح. يعرف أن الميت الموجود أمامه ما هو إلا وهم، كما هو السيف الملطّخ بالدماء الذي يثقل يده أيضاً وهم، وهو نفسه وهم، وكل حياته الماضية، وكل الآلهة، بل والعالم!.
- وردة صفراء:
رأى مارينو الوردة كما رآها آدم في الجنة، وخطر بباله أن الوردة يجب أن توجد في سرمديتها هي وليس في كلماته، وأننا من الممكن أن نذكر أو نلمّح إلى شيء، لكن لا يمكننا أن نعبر عنه، وأن تلك الكتلة الطويلة الممتلئة كبرياء التي تعكس ظلاّ ذهبياً في تلك الزاوية لم تكن - كما صوّر له غروره - مرآة للعالم، بل كانت بالأحرى شيئاً أضاف إلى العالم!.
- تحولاّت:
صليب، حبل، وسهم - أدوات استعملت سابقاً من قبل الإنسان، حُطَّ من قدرها أو مُجِّدت الآن إلى مرتبة الرموز. لماذا عليّ أنا الاندهاش لها، بينما لا يوجد شيء واحد على سطح الأرض لم يمحُه أو يغيّره في الذاكرة النسيان، وبينما لا يعرف شخص ما إلى أي صورة سوف يتحوّل هو نفسه في المستقبل؟!.
- بورخيس وأنا:
أنا أحيا، أنا أترك نفسي تحيا، كي يتمكن بورخيس من اختراع أدبه وذلك الأدب هو الذي يبرّر وجودي. وأنا لا أبالي بالاعتراف أنه تمكن من كتابة بعض الصفحات الجديرة بالاهتمام، لكن تلك الصفحات لا يمكنها إنقاذي!.