قَطَرَات
«1»
ـ المُبغِض يعرف أنّ فيه، أو في البُغض ذاته، خِسّة ما!.
والمُحِبّ يعرف أنّ فيه، وفي الحبّ، رِفْعَة وعطاء!.
لذلك لا يُظهر الأول بغضه لشخص ما، إلا لعدد قليل من النّاس، في حين يتوق المُحِبّ، يكاد يتوثّب، الودّ ودّه لو عَلِمَ كل الناس صَبَابَته وكَلَفه بمن يحبّ!.
«2»
ـ تركي الدّخيل سفير كُتُب أيضًا، يحرث أمّهات الكتب ويغرّد بمتّقد الأفكار منها.
ـ في واحدة من تغريداته، نقل: “يقول المبرِّد : “الاستماع بالعين، فإذا رأيت عين من تحدّثه ناظرةً إليك فاعلم أنه يحسن الاستماع”!.
ـ رسالة في أدب التّلقّي والمجالسة والحوار. ليتها تصل إلى الجميع، وبالذات إلى كل من يعمل في الحوار التلفزيوني، وبشكل أكثر تحديدًا، أولئك الذين يُقيمون حوارات أدبيّة وثقافيّة وفنّيّة. إذ يمكنك، بسهولة، ملاحظة خفوت رغبة المبدع الضيف في الاستفاضة، بمجرّد رؤيته للسائل، وقد رمى السؤال ثم لم يعد منتبهًا للرّد، يُقلّب أوراقه، يحرثها بنظراته، ليتأكّد من السؤال الجديد الذي سيطرحه بمجرّد توقّف المبدع عن الكلام!.
ـ وأحيانًا، ويا للمصيبة، يشعر السائل بأنّه قد جهّز أسئلة كثيرة، وأن الوقت لم يعد يتّسع لترك المبدع الضيف يتحدث بما يُشبع فكرته ورأيه، فتجده يقاطعه في منتصف الكلام، في عمليّة وأد “غبيّة” للفكرة والرأي!.
ـ ليس أفضح من العيون شيء!.
«3»
ـ هذه الأجهزة الصغيرة التي نستخدمها ذكيّة فعلًا!. ما إن تتابع نوعيّة معيّنة من البرامج، حتى تبدأ بترتيب عروضها بما يقترب من هذه البرامج ويتناسب مع ذوقك قدر الإمكان!.
ـ بينما هناك نوعيّات من البشر، تعرفهم من سنين، ما يزالون يصرّون على حشرك في مواضيع لا علاقة لك بها، أو مواضيع لا تحب الخوض فيها!.
ـ الجماد وهو جماد، يحاول، وينجح أو يكاد، فهمك واستيعابك، بينما تظلّ هناك نوعيّة من البشر، أقل وعيًا، وربما أدبًا وخُلُقًا، من الجماد!.
«4»
ـ كلّما تذكّرتُ ذلك الموقف القديم أضحك: كان يسمع أغنية أم كلثوم: “الهوى أنت كلّه والأماني... فاملإ الكأس بالغرام وهاتِ”. يسمعها باندماج يشبه الذّوبان.
قلت له: أنت عاشق؟!. قال: ملأت الكأس بالغرام، ومن الصبح لليل وأنا جالس “أهاتي” بلا فائدة!.
ـ يومها عرفت أنّه يُمكن للكلمات أن تقفز من معناها الوقور إلى معنى عظيم الكاريكاتيريّة ساخر، لدرجة لا يعود بإمكانك الدفاع عن المعنى الأصلي، لأنك ستكون منشغلًا بالضحك، وبدلًا من الدفاع يأخذك الاندفاع إلى تخيّل المعنى الجديد، بكامل عبثيّة سوء الفهم الفكهة!.
ـ حتى وقار أم كلثوم نزل من عليائه بسبب هذه المفارقة، التي انقلب فيها معنى “وهاتِ” من “وأعطني” كما هو بالفصحى، إلى “وأبربر بكلام بين اللا مسموع واللا مفهوم واللا مُقدّر”!، حيث “أهاتي” بالعاميّة!.