لصّ بغداد!
- لو تتبّع المبدع كل سارقيهِ لهَلَك!. فإنْ هو لم يهلَك، فقد أرخص ثمين وقته!.
- يعرف المبدع أنّ أعظم حقوقه هو القيام بواجبه!.
حياته قائمة بسعادتها وبشقائها على عمله، وكل حقّ آخر له يتراجع أمام هذا الحق. يمكن للمبدع مسامحة الناس، كل الناس، مَن ظلموه ومن سرقوه!، ومن شاهدوا السرقة فلم يشهدوا، ومن أعانوا السارق على التمادي!.
- يصعب عليه ذلك الصفح ويشقّ، لكنه ممكن!. ما لا يمكن للمبدع هو مسامحة نفسه عن القصور والتخاذل والكسل أمام، وفي، ومع، وتجاه، عمله!.
- لا تحسبوا المبدع جاهلًا، أو غافلًا، عمّا يدور حوله!. لا تحسبوه وإن تبسّم متغافلًا، لا يشعر بمرارة، وحقارة!، أن يتّهمه جاهل، أو ظالم، بسرقته سارِقه، وتقليده مُقلّده!. كما لا تحسبوه غير شاكرٍ بامتنان حقيقي لكلّ منصف!. لكنه مشغول بما هو أهم، بعمله!.
- أمّا في داخله، فهو لمّاح فطِن، يعرف من سرق، ومن أعان السارق!. تمامًا مثلما هي حكاية بائع الثّياب في بغداد!.
- كان يا ما كان، في قديم الزمان، رجلٌ يبيع الثياب في بغداد، وفي ليلةٍ وبعد أن أغلق دُكّانه، كان هناك لصٌّ يترقّب!. ولمّا اشتدّ الظّلام، جاء اللّص مرتديًا ثيابًا تشبه ثياب صاحب الدّكّان، وفي كُمِّه شمعة ومفاتيح!.
- صاح بالحارس وأعطاه الشمعة الصغيرة التي لا يمكن لها أن تُبدِّدَ أو تكشف!، وقال له: أشعلها وأحضرها فإنّ لي بدكّاني شُغلًا!.
ظنّ الحارس أنه صاحب الدّكان فأطاع، وفتح اللّصّ الدّكان، والحارس عند الباب عينه على الشارع خوفًا من اللصوص!. بعد قليل، صاح المُحتال بالحارس، وطلب منه البحث عن حمّال!. جاء الحارس بالحمّال!. وبمساعدة الحارس، حمل الحمّال ما طُلب منه حمله من بضاعة!. أغلق اللّص الدّكان بعد أن أعطى الحارس درهمين مكافأةً!.
- في الصّباح، حضر بائع الثياب، فوجد بضاعته مسروقةً. سأل، فقال له الحارس ما حصل!، وأضاف: بدليل ما أعطيتني!، وأخرج من جيبه الدّرهمين!.
- ابتسم الرجل، وقال للحارس: نعم، نعم، تذكّرت!، وكنتَ تستحق أكثر من درهمين، لكن الليل كان حالكًا، وكنتُ ناعسًا، ولم أعرف مَن الحمّال الذي حمل معك الرُّزَم؟!. قال الحارس: أنا أعرفه!، وجاء به!. قال الرّجل للحمّال: نسيتُ الموضع الذي حملنا إليه البضاعة البارحة!. أوصله الحمّال إلى مكانٍ، وقال: هنا وصلنا ثم استدعيتَ أنت فُلانًا الملّاح فركبتَ معه!.
- وصل الرجل إلى فلان الملّاح، وقال له: اذهب بي إلى حيث وضع أخي الحبيب الرُّزَم!. ذهب به، ولمّا أوصله قال الرجل: مَن حملها معه؟!. قال الملّاح: فلان الحمّال!. فوصل إليه!. أعطى الحمّال درهمًا، واستدلّه فدلّه!. وهكذا وصل إلى غرفة مغلقةٍ، زعم أنّ مفتاحها ضاع من جيبه، فساعده الحمّال على كسر قفلها، فوجد بضاعته كما هي!. أخذها ورجع!.
- انتهت الحكاية!. ونرجع للمبدع وسارقيه!. يعرف المبدع، بلمح البصيرة، كل ما عرفه بائع الثياب البغداديّ بعد حكمةٍ وجهد!. لكنه يعرف أيضًا، أنه وفيما لو شغل نفسه بمثل هذه المشاوير، لَمَا بقي لديه من الوقت شيئًا ليُنجِز!.
إنها مهمّة الناقد، وهي في ذمّته مثلما هي في ذمّة السّارق تمامًا!.
- “قفلة”:
“تتبغدد علينا وحْنا من بغداد”!