جَرِّب!
ـ مَرَّ بي، قالَ مُوصِيًا:
ـ تكره فلانًا من النّاس. أساء إليك قاصدًا، وكرّر الأذى!. جرِّبْ لذّة أن يُذكَر بسوءٍ أمامك في جلسة فترفض إتمام الحديث، ولا تقبل الاستماع!.
جرِّب لذّة أنْ تُدافِع عنه، وأن تجد له العُذُر!. فإن لم تجد، جرِّبْ لذّة قطْع الحديث وإنهائه، وحجّتك قائمة: إن كان ما قيل عنه كذبًا فهي نميمة، وإنْ صِدْقًا فهي غِيبة!.
ـ نعم، قد يكون فيما تسمع عنه من كلام سيّئ بعض المتعة والعَوَض!. لكنها متعة خسيسة وسريعة الزّوال!. جرِّبْ المتعة الفاضلة!. ولسوف تسعد طويلًا، وتفخر بنفسك!. انتصار النّفس اللّوامة على الأمّارة بالسّوء ليس سهلًا، لكن نتائجه مذهلة، وخُضرته مديدة!.
ـ وماذا عن النقد؟! النقد لا غيبة ولا نميمة!. لكن النقد مشروط بالمُنجَز لا بالمُنجِز!. يمكن لك، مثلًا، الحديث عن قصيدة شاعر أو كتابة كاتب أو صوت مطرب أو أداء ممثّل كما تُحبّ ومثلما ترى!. أمّا شخصه، ففي هذا يكمن العيب!.
ـ استدرَكَ، فأضاف: لكن لحظة: ماذا لو ترفّعتَ عن ذلك أيضًا؟! كثير من القُضَاة يطلب الإعفاء من القضايا التي تربطه علاقة من أي نوع بأحد المختصمين أو الشهود فيها، استشعارًا بالحرج!. في ذلك نزاهة ووجاهة ورِفعةٌ ووقار!. ثمّ إنّ النّقد كشف الجمال في الجميل، أو أنّ هذا أعلاه شأنًا، وأكرمه منزلةً، وأجلّه نفعًا، فلا تنحدر!.
ـ فإن كان ولا بدّ: اسلك دربًا من دَرْبين، أنْ تتحدّث عن أفكارك الأدبية وفلسفتك النقديّة بعيدًا عن الأسماء، فإن احتجت لأمثلةٍ، إليك الدّرب الثاني: اختر من الأمثلة ما لا تشكّ لحظةً في عدم استشاطتك وامتعاضك الشّخصي من أصحابها!. السُّموّ صعب، وليس أسهل من السّفول شيئًا!.
ـ تلفَّتَ لا خائفًا، لكن مثل من يبحث عن شيءٍ نسِيَ موضعه. أخرجَ من زوّادته ورقةً، أعطانيها، وقال اقرأ. كان خطّه جميلًا. قرأتُ:
ـ كلّ من يتقرّب إليك بالإساءة إلى من يدري أنّ بينك وبينه جفوة وإعراض، لا خير فيه!. فإن ارتضيتَ منه ذلك فلا خير فيك!. المُهان في مثل هذا الحوار من حضر فاستمَع لا من غاب فاستُمِعَ عنه!.
ـ وقال: كل من يصل إلى: “لن أقول ما قاله لي فلان من الناس عنك أو عن فلان من الناس، فالمجالس أمانات”!، فقد أخبرك بما هو أسوأ بكثير ممّا حَدَثَ وقيل، ولم يَصُن الأمانات التي يحكي عنها بتأثّر!. هذا إن كان صادقًا أصلًا!.
ـ تبسّمَ، ومضى!.