ما أبغي لا ما ينبغي!
- “لازم تقرأ الكتاب الفلاني، أو للكاتب الفلاني”. بالنسبة لي كقارئ، لا تلزمني مثل هذه اللّزوميّات. لا تخصّني ولا تعنيني. وفي غير حالات نادرة وخاصّة جدًّا، لا أصنّفها في غير خانة الكلام العابر “الحِشَرِيّ” المتغطرس وثقيل “الغَلَاسَة”!.
- أتحدّث كقارئ، ولكل قارئ حرّيته التّامّة في اعتبار ما يعتَبِر!. ليس من واجبي الإقرار لأحد بالحقّ في أنْ يقول لي ماذا أقرأ ولا كيف ولا متى ولا أين أقرأ!.
- أتفهّم أنْ يقول لي أحدهم: لماذا تقرأ كتبًا مترجمة أكثر بكثير من الكتب العربيّة!. أتفهّم ذلك وأرفضه!. إنْ كنت أفعل ذلك، فباختصار؛ لأنني حرّ!. لم أدخل القراءة لنُصْرَة الكتّاب العرب!. ولو كنت أعرف لغة غير العربيّة ولقيتني أستمتع بالقراءة من خلالها فسأفعل دون تردّد!.
- نعم، يُمكن لي تقبّل مثل هذا “الأمر” بعد تخفيفه، لأسباب عاطفيّة، وتقبّله على أنه نصيحة أو إرشاد، حين يتعلّق الأمر بجلسة مع صديق خاص جدًّا، وأكون قبلها قد انزلقت في حديث عن أمر لا أفقه فيه ولست مُلمًّا بتفاصيل كافيه بخصوصه. لكن ما دمت لا أدخل في مثل هذا الأمر، فإنني أستثقل هذه الوصاية والجِبْريَّة!.
- لم أقرأ للدّراسة!. الحقيقة أنني كنتُ أهرب من كتب المدرسة لكتب المكتبة!. لم أقرأ لأصبح أديبًا، أو ليقال عنّي “.. مثقّف”!. قرأتُ منذ البدء لأنني وجدت الأمر ممتعًا ومسليًا، وكان حظًّا حسنًا لا أكثر، أن الأمر، نعم، يضيف إليّ كإنسان معلومات وفهمًا ومعارف!. ثمّ كان الحظّ الأكثر حسْنًا، أنني عشقت الكتابة فيما بعد، وقد تبيّن أنّ ذلك الأمر، أمر القراءة، يُخصِّب المحبرة، ويدفع بالقلم للجري في مضماره بسلاسة وحيويّة أكبر!. وأخيرًا؛ وصل حُسْن الحظّ الذّروة حين تأكّد لي أنّه يُمكن للكتابة أن تكون مهنة، وأنّ هناك مطبوعات يمكنها تخصيص مكافآت ماليّة للكتّاب!.
- وبصدفة الحظّ الحَسَن أيضًا، يُمكن القول إنّ القراءة بالتّرجمة العربيّة، يصبّ في خدمة اللغة العربيّة!. هذا فيما لو نظرنا، مثلًا، إلى الأمر من الزاوية التي وُلِدَت منها اللغة التشيكيّة مِنْ جديد حسب نظرة “جوزيف سكوفوريكي”: “الأُمّة التشيكيّة، أو لغتها، كانت قد وُلِدَتْ مِن جديد على يد التّرجمة: كانت في غالبها من الكلاسيكيّات الإنجليزيّة والأمريكيّة”!.
- هذه فوائد مُضافة، لكنها ليست أصل سبب محبّتي وولعي وشغفي بالقراءة!. ها أنا، مثلًا، مفتون بالموسيقى، مُولَع بالألحان، دون حاجة أبدًا لأن أقوم بتأليف قطعة موسيقيّة أو أمتهن التلحين!. لم يُنقص ذلك من محبّتي للموسيقى وشغفي بها شيئًا!. الأمر نفسه ينطبق على الإخراج السينمائي!.
- كان يمكن للقراءة، إذن، أن تكون كذلك تمامًا، بل هي كذلك، وأنا عاجز عن رؤيتها من زاوية أُخرى!. وأظن أنني حتى فيما لو لم أكن عاجزًا، فإنني لا أريد!.
- ربما، في الكتابة، يُمكنني تفهّم دخول الآخر في بعض ما يخصّني، أعني فيما يخصّ كتابتي، ذلك أنّ في الأمر شَرَاكة ما. ففي جزء ما من أجزاء الكتابة، أعني جزءًا من طبيعتها، لا بدّ من الاعتراف بأنني لم أكتب إلّا لألتقي بقارئ!.
أمّا في القراءة، فأنا لم، ولا أظنني اتخذّتها سبيلًا ومشروع حياة، لسبب أهم من أن ألتقي بنفسي فيها ومن خلالها!.
- فيما يخص القراءة، لا تحدّثني عن “الموضوعيّة”. تريد الموضوعيّة وأن تكون “موضوعي”، ذلك شأنك، لا شأني ولا موضوعي!.
- القراءة بالنسبة لي هي: “كما أبغي” لا “كما ينبغي”!. قد لا يكون ذلك سليمًا ولا مُعافى من عِلَّة، لكنني أقرأ بهذه الطريقة والكيفيّة والنكهة!.
- وهذا ما أراه: مثلما أنه لا يمكن للكاتب أن يكون مبدعًا إلّا مِن خلال ميوله وأخطائه، فإنه لا يمكن للقارئ أن يكون مبدعًا إلّا من خلال ميوله وأخطائه أيضًا!.
- وقد لا ينطبق على القارئ الآخَر، ولا على كلّ القراء الآخرين، ما ينطبق على قارئ بسيط مثلي، لا بأس!. القراءة بالنسبة لي مسألة “ذاتيّة”، ذاتيّة مُفْرِطة إلى أبعد حدّ!.
- تريد منّي أن أقرأ بالطريقة التي تحب، أو المواضيع التي تحب، أو بالنظريّة التي تتبنّى والموقف الذي تتحرّك فيه ومن خلاله، لا مانع!. فقط: اكتب لي ذلك، بطريقة تطيب لي، بأسلوب يهيم بي شوقًا وشغفًا وحماسًا، وسأفعل!. إيّاك والنصائح والإرشادات، وابتعد عن التوجيه المباشر، أمّا حكاية “تأمر أمر” فهذه “بِلَّها” ولا تشرب ماءها،.. إنه مُسمَّم!.
- الإجبار، بأيّ نوع وأيّ شكل ومن أيّ دَرَجَة، مسألة ضد القراءة. على لسان “ماريّا” في رواية “غراميّات” لـ:”خابيير مارياس”: “..، لا، فكلمة إجباري غير مناسِبَة لشيء يمنحنا بهجة وطمأنينة”!.