الشّموليّة والتّجزئة!
ـ كرة القدم، عمل جماعي.. تراكمي: منظومة. والمنظومة والنّظام من النّظم!. ومن مرادفات “نظَم” في العربيّة: أَلَّفَ، جَمَعَ، خَطَّ، رَتَّبَ، نَسَّقَ، وَحَّدَ، وَفَّقَ!. ومن أضدادها: بَدَّدَ، بَعْثَرَ، خَرَّبَ، شَتَّتَ، فَرَّقَ، قَوَّضَ، وَسَّخَ، ومَحَا!.
ـ والنّظم تلزمه النّظرة الشاملة، وتضرّ به نظرة التّجزئة!.
ـ يمكن ملاحظة ذلك بوضوح أثناء تنقّلاتنا في القراءة بين النثر والشعر!. ففي الشعر، ومهما تحدّثنا عن الوحدة العضويّة في النّصّ، إلا أن قيمة الشّموليّة في القصيدة تظل أقلّ بكثير من أهميّتها في النثر!.
ـ القصيدة قائمة على “التّجزأة” أولًا، بمعنى أنّ البيت في القصيدة، يمكنه التفرّد بجماليّة منفصلة مُعْتَبَرَة، لدرجة يُمكن معها أن تحيا قصيدة من ثلاثين بيتًا وأكثر؛ بسبب فرادة الجمال في بيت واحد منها!. وهو ما يصعب وجوده في النّثر، لأنّ النثر قائم على “الشّموليّة”!. لا يُمكن نجاح قصّة من خمس صفحات بسبب جملة نافرة وغير متناسقة مع بقيّة الكلمات!. مهما كانت الجملة بهيّة!.
ـ في الشعر “التجزأة” أولًا ثم تأتي “الشّموليّة” في مرتبة ثانية أقلّ، أمّا في النّثر فالشّموليّة أولًا ثم تأتي “التّجزأة” في مرتبة ثانية أقل!.
ـ الشعر في القصيدة “جزء” لأنه شعر!، لكن القصيدة كلها “شمول”، لأن القصيدة “نظم”!. ولذلك قيل “بيت القصيد”، ولذلك يغضب الشاعر فيما لو قيل عنه “ناظِم” لأنّ هذا يعني أنّه كتب قصيدة ولم يكن فيها “شعر”!.
ـ يا للاستطراد!. نرجع لكرة القدم!.
ـ كرة القدم “منظومة” والمنظومة “شمول”، ومن مرادفات الشّمول في العربيّة: الإِحَاطَة، الاحْتِوَاء، الاسْتيعاب، والكُلِّيَّة!. ومن أضدادها: الإِبْعاد، الإِخْراج، الطّرْد، والجُزْئيَّة!.
ـ استطراد آخر: ليس فينا، ربما، من لم يشاهد شخصًا يرتدي ملابس فخمة غالية الثمن، وبالرغم من ذلك لم يجده أنيقًا!. يحدث ذلك حين يُفتَقَد النّظم، أي “الشّموليّة” في الرؤية والتّنسيق!. في المقابِل يُمكن للإنسان أن يكون أنيقًا جدًّا بملابس أقلّ فخامة وأرخص ثمنًا بكثير جدًّا، بسبب نظرة صاحبها “الشّموليّة” حيث حُسْن الجَمْع والتّناسب وضبط القياس وروعة التّنسيق!.
ـ كرة القدم تُشبه هذا، لأنها منظومة، ولأن المنظومة يلزمها الرؤية “الشّموليّة”، لا “الجزئيّة”!. يمكنك تقديم فريق رائع بمجموعة مُناسِبَة ومُتناغِمة، مع وجود مسحة شعريّة بسيطة، حيث “فرادة” تخدم المجموع، وقد لا تكون تلك “الفرادة” استثنائيّة الموهبة والمهارة والقُدُرات!.
في المُقابِل، وفي أفضل الحالات، لا يُمكِن لك بنظرة “التّجزئة”، أكثر من تكديس مواهب قد تكون “مُتفرِّدَة”، لكن وما أن تدخل الملعب حتى تتُوه، لاختلاط الأدوار وتنافرها أو تضاربها!.
ـ في أوائل الثّمانينات قدّمت البرازيل منتخبًا ليس لأفراده مثيل من حيث الموهبة فيما لو أخذناها بنظرة “التّجزأة”. في النهاية هُزِمت من إيطاليا بثلاثة أهداف مقابل هدفين؛ وخرجت مبكّرًا!. حدث ذلك ليس بالرغم من أنه حتى لاعبي دفاع البرازيل يومها كانوا قادرين على التّقدّم والمراوغة والصناعة والتسجيل، ولكن بسبب أنهم كانوا كذلك، ويقومون بذلك، بالفعل!.
يومها قال “زيكو”: كان بإمكاننا تسجيل خمسة أهداف، لكن إيطاليا كانت ستسجّل ستّة!.
ـ “قفلة”:
مهاجم يراوغ في المنطقة الحاسمة ثم تنقطع الكُرة منه ويفشل، خير من حارس مرمى يراوغ الخصم في المنطقة الحاسمة حتى لو فَلَح ونَجَح!. المهارة لا تكفي في غياب معرفة الأدوار والمهامّ!.
فهم تامّ مع مهارة ناقصة أفضل بكثير من مهارة تامّة بفهم ناقص أو ملتبِس!.