عَلِّم نفسك!
ـ مَرَّ بي، قال: إن نصحتَ فعمِّم!.
ـ النصيحة إن توجّهت بها إلى أحدٍ بعينه فهي ثقيلة. فإن توجّهت بها إلى أحدٍ بعينه وسط جمعٍ من الناس، فليتها ظلّت على الثّقل!. هي في هذه الحالة وقاحة وصلف وفيها من التعالي ما لا يخفى!.
ـ ولو طلبك أحدٌ النصيحة، وكان ذلك في جمعٍ من الناس، فأكرمه فقد أكرمك، وارفع من شأنه فقد رفع من شأنك، وقل له مُستغربًا مُستطْيبًا: أنا أنصحك أنت؟! يا رجل.. مثلك ينصح عشرة من أمثالي وأكثر!. قلها له وسط الجمع، فإذا انفردت به ذكّره بحسن صنيعه إليك حين خصّك بالطلب، ثم قل له ما عندك بكل ما أوتيت من لطف!.
ـ فإن عاد بعدها، في وقتٍ آخر، ليستنصحك في الأمر نفسه، دون أن يُحرِّكَ فيه ساكنًا، فاسكت، لا تكرّر ما قلت له ولا تزد على ما سبق لك من القول شيئًا، اللهمّ إلّا إذا كنتَ قد استدركتَ أمرًا واجب القول أو التّصحيح حقًّا!.
ـ بعد ذلك أقول: لا بأس من أن يأخذ أحدنا قولًا طيّبًا، ممّن يقول القول لكنه لا يفعله وربما يفعل نقيضه!.
ـ لستُ مع من يصدّ القولَ الطّيّب بالرّد على صاحبه: “علّم نفسك” أو “قل لنفسك مثل هذا الكلام”!. فإنّ كان الكلام طيّبًا فعلًا وكريمًا حقًّا، فإنّ في مثل هذا الرّد على صاحبه، انتصارٌ لشخصك على شخصه لا لفكرك على فكره!.
ـ يقول ابن حزم: “لو لم ينه عن الشّرِّ إلّا من ليس فيه منه شيء، ولا أمَرَ بالخير إلّا من استوعبه، لما نُهِيَ أحدٌ عن شرٍّ، ولا أُمِرَ بخيرٍ، بعد النَبيّ صلى الله عليه وسلّم”!.
ـ فإن كان هناك من يحاجج مذكّرًا بقوله تعالى:
“أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ” فإنني لا أرى في الآية الكريمة إلا دعوة لأن يخجل المرء من “نسيانه” ومن “تناسيه” للبِرِّ، وليست دعوة للخجل من النصح متى طُلِب، والتذكير بالبِرِّ وبطيّبات الأعمال، والله أعلم!.
ـ ولعل أشهر ما للدُّؤليّ من الشعر: “لا تنه عن خلقٍ وتأتيَ مثله… عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ”!. وحول هذا يقول ابن حزم: “إنما قصد بالإنكار المجيء”!.