ركيزة
وزغلول!
ـ بصراحة، ومن الآخِر، وعلى بلاطة وبـ”المفتِشِر”: لا أنتمي لتلك الفكرة، وأراها خائبة، وقافزة على الصواب وعن الواجب (أو الأوجب) معًا، والتي تقول: سعادتك في إسعادك للآخرين!. الكلمات طيّبة ونواياها حسَنَة، لكني مؤمن بعكسها (والعكس هنا لا يعني النّقيض، فهو يصل بنا إلى النتيجة نفسها، لكن على نحو أفضل) : اهتمّ بنفسك وأَسْعِدْها، فإنْ أمكنك ذلك، فسوف يكون من نتائجه (الفائضة) الجميلة أنّ من حولك سيكونون سعداء في الغالب!.
ـ السّعادة مُعْدِيَة، وعدواها تفوق عدوى الحزن بدرجات عالية وتتخطاها بمسافات طويلة!. والكأس لا يفيض إلّا إن امتلأ أولًا!.
وفيما لو لم تجلب سعادتي سعادة للآخرين، فهذا شأنهم وليس شأني!. كلّ ما عليّ فيما يخصّهم هو عدم إيذائهم عن قصد، وبنوايا مُضْمَرَة سَلَفًا!.
ـ بعد هذا العمر، هذا ما أقوله لي: لا تهتمّ كثيرًا بمحاولة إسعاد الآخرين!. لأنك في الغالب ستقوم به على نحوٍ خاطئ!. وستُثقل عليهم!.
كثير جدًّا ممّن لديهم هذه الفكرة، ويتّخذونها منهجًا، يحشرون أنوفهم في شؤون النّاس، ويتدخّلون، دون قصد وبنوايا طيبتها لا تنفع، في خصوصيّات الآخرين وأمزجتهم!.
يحدث هذا خاصّةً حين تكون مثل هذه المحاولات لفظيّة بحتة، كالنّصائح والوصايا والتوجيهات!، وهو ما توفّره تطبيقات التّواصل عن بعد، بصورة لم يسبق لها مثيل!.
ـ وشيئًا فشيئًا يصيب عدد كبير من أصحاب هذه الفكرة انتفاخ عجيب. يظنّ واحدهم أنّه مصدر تشريع وحكمة. يصير أكثر حديثه: “لا تفعل كذا” أو “افعل كذا”!.
وقد يتطوّر المرض لديه، ويزداد الانتفاخ، فيصير كلامه: “لا تفعل كذا فإننا لا نهتم بهذا الشيء” أو “افعل كذا لأنه يصيّرك أفضل ويسمح لنا بالتّلاقي معك في المشاعر”!. وكلمات من هذا النوع، لا يدري صاحبها بعلّته فيها، وبأنّه صار يتصرّف وكأنّه مركز الكون وركيزة الجمع!.
ـ وهذا ما أتخيّل سماعه من الآخر يقوله لي: من قال لك إنني أقوم بما أقوم به لكسب إعجابك؟! من قال لك أنني أهتمّ كثيرًا، أو قليلًا، بضرورة التقاء أحاسيسي معك؟!.
ـ بالنسبة لي، الأمر بسيط: أنا فيما لو عملتُ على إسعاد نفسي، وأمكنني ذلك، فسوف أُسْعِدُ من حولي دون جهد و”طهبلة” فارغة!.
ـ عِلّةٌ هي من أُمّهات العِلَل، تصيب مَن فكرته إسعاد الآخرين على حساب ذاته: المِنَّة!.
يمكنك بسهولة ملاحظة أنّ ركيزة الكلام في فم كلّ منّان: حديثه عن تضحياته وإفنائه لذاته وتقديمه الآخر على نفسه، ثمّ إنّه بعد ذلك لم يجد من هذا الآخر عرفانًا أو ردّ جميل!.
لو كانت الفكرة من الأساس: إسعاد نفسه، لما مَنّ على الآخرين بشيء!.
ـ الأمر ببساطة: أكون قطعة سكّر فقط حين يحلو لي، وحين يكون مصدرًا لسعادتي، أنْ أكون قطعة سُكَّر. أمّا أنْ أقبل هذا الدّور، وأذوب في أكواب الآخرين، فقط ليسعدوا ويستمتعوا، فلا ملامة عليهم ولا عتب إنْ هم امتدحوا الجلسة والأكواب والشّاي ولم يأتِ أحدٌ منهم على ذِكْرِي: لا أحد يمتدح قطعة السّكّر في الشّاي، بل ولا أحد يتذكّرها!.
ـ وأردّد مع المتنبّي:
خَيلُكَ أَنتَ لا مَن قُلتَ خِلّي..
وَإِن كَثُرَ التَجَمُّلُ وَالكَلامُ!
ـ “قفلة”:
عنوان المقالة مستوحى من الفيلم العربي “ليلة القبض على بكيزة وزغلول”!. أمّا لماذا اخترت هذا العنوان للمقالة، فبصراحة، ومن الآخِر، وعلى بلاطة وبـ”المفتِشِر”: لأنّني، عند مراجعة المقالة، وجدت كلمة “ركيزة” فـ”جازت” لي، وعندما وضعتها مُفرَدةً كعنوان، لمعت قفشة تذويبها في عنوان الفيلم، فضحكتُ، واستشعرتُ سعادة!.